الظاهر أنه لا يوجد فرق بين التوثيق في الشريعة والتوثيق في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية والعربية، لأن معظم هذه القوانين العربية مستوحاة من الشريعة الإسلامية.
إلا أن القرآن الكريم أشار إشارة ضمنية إلى أهمية التوثيق بالكتابة لتكون حجة ودليلا للإثبات عند الحاجة، ودعا إلى توثيق الديون والعقود ومنها عقد الزواج ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم في الصحف، ودعا إلى توثيق العلم وتقييده وكتابة الوصية، ووثق دستور المدينة وصلح الحديبية، ومعظم معاهداته ومراسلاته، ووثق عقود معاملاته.
وقد دلت السنة على وجوب توثيق عقد الزواج بالشهادة.
وقد تعارف المسلمون مند العهد الأول على إجراء عقود الزواج بألفاظ مخصوصة (إيجاب وقبول وولى وشهود وإعلان وإظهار) لأن المجتمع لم يكن في حاجة إلى توثيق عقد الزواج بالكتابة، فلما أصبحوا يتزوجون على مؤخر الصداق أو شيء منه، و المدة تطول وينسى، صاروا يكتبون المؤخر وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وأنها زوجة له.
وعلى هذا فإن توثيق عقد الزواج مشروع في الشريعة الإسلامية. وقد اختلف العلماء في مشروعية توثيق العقود بالكتابة بين الوجوب والندب والإرشاد.
وقد بينا أن القول بالوجوب قول قوى ووجيه له قيمته الشرعية، يجب حمل المسلمين عليه في زماننا نظرا للعوامل والأسباب والعوارض التي سبق ذكرها، وأن معظم القوانين تلزم الناس بوجوب توثيق عقد الزواج وتجعله شرطا لقبول الدعوة وترتب آثاره عليه.
1- تتفق كل من الشريعة الإسلامية وقوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية والعربية على مشروعية ووجوب توثيق عقد الزواج.
2- توثيق الزواج في الشريعة يكون بالشهادة، ويكون بالكتابة أو بهما معا.
3- توثيق الزواج في القانون يشترط فيه رسمية الوثيقة وأن تكون محررة من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها.
4- توثيق الزواج في الشريعة قد يكون توثيقا اجتماعيا في الدول الإسلامية سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب، كالمد اشر، والأرياف والبوادي، وكذلك الرحل في الصحراء وغيرها.
5- الإشهاد على عقد الزواج في الشريعة شرع للتوثق والإشهار والإعلان والاحتياط، والتوثيق في القانون شرع للتوثق والإعلان وزيادة الاحتياط، لأن الشهود قد تحدث لهم عوارض الغفلة والنسيان، والموت والغياب المنقطع والرجوع عن الشهادة. "مقصد الشريعة من الشهود الإخبار عما يبين الحقوق وتوثيقها... والمقصد لتوثيق الحقوق المشهود بها ضبطها وأداؤها عند الاحتياج إليه، وذلك تقتضى كتابة ما شهد به الشهود، إذا كان الحق من شأنه أن يدوم تداوله مدة يبيد في مثلها الشهود، فلذلك تعينت مشروعية التوثقات، واتصل عمل المسلمين في الأقطار كلها بكتابة التوثقات في المعاملات، مثل رسوم الأملاك والصدقات، وكذاك إثبات صحة رسوم التملك والتعاقد بمثل وضع الختم والخطاب عليها إعلاما بصحتها"([1]).
إن الزواج في الشريعة الإسلامية إذا استوفى أركانه وشروطه، وانتفت موانعه الشرعية، ترتبت عليه أحكامه وآثاره، ولو لم يوثق بوثيقة رسمية أو عرفية "إنما التوثيق نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية" وقد قال بعض الفقهاء المعاصرين أن التوثيق واجب شرعي يأثم من يخالفه، وواجب قانوني يعاقب على تركه.
فالقانون لا يعترف بالزواج غير الموثق بوثيقة رسمية. فالعقد الشرعي يحل المعاشرة الزوجية مع الإثم، والعقد الرسمي القانوني يحفظ الحقوق.
والظاهر أن تسجيل العقد وفق الإجراءات القانونية في الغرب.
ثم إعادة إبرامه وفق الشريعة الإسلامية في المسجد بحضور جمهرة من المسلمين لإشهاره وإعلانه في نفس اليوم، قول وجيه له قيمة شرعية وقانونية، يجب حمل المسلمين عليه درء للمفاسد والمضار، وتحقيقا للمنافع والمصالح، والاطمئنان والاحتياط.
[1] مقاصد الشريعة الإسلامية –الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ص203/204.
التسميات
توثيق الزواج