أحقية علي بالخلافة.. تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أوْلى الطائفتين بالحق. خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء

إن أحق الناس بالخلافة بعد أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، وهذا ما يجب على المسلم اعتقاده والديانة لله به في شأن ترتيب الخلافة الراشدة، وقد ورد الإيماء إلى أحقية خلافة على رضي الله عنه في كثير من النصوص الشرعية منها:
1- قال تعالى: +وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا" [النور:55]، ووجه الاستدلال بها على حقيقة خلافة علي رضي الله عنه أنه أحد المستخلفين في الأرض الذين مكن الله لهم دينهم.
2- قوله (ص): «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»([1]) ووجه الدلالة في هذا الحديث على أحقية خلافة على رضي الله عنه أنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وحافظوا على حدود الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وساروا بسيرة رسول الله (ص) في العدل وإقامة الحق.
3- قوله (ص): «خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء»([2]), وفي هذا الحديث إشارة إلى أحقية على رضي الله عنه حيث إن خلافته كانت آخر الثلاثين من مدة خلافة النبوة التي حددها النبي (ص) في هذا الحديث وبموجب هذا قال أهل العلم([3]), قال أحمد بن حنبل: حديث سفينة في الخلافة صحيح، إليه أذهب في الخلفاء([4]), وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إن قومًا يقولون إنه ليس بخليفة، قال: هذا قول سوء رديء فقال: أصحاب رسول الله كانوا يقولون له: يا أمير المؤمنين أفنكذبهم؟ وقد حج وقطع ورجم فيكون هذا إلا خليفة؟ ([5]).
- وقال ابن تيمية في حديث سفينة: وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله (ص)، رواه أهل السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد واستدل به على من توقف في خلافة على من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ونهى عن مناكحته([6]).
وقال شارح الطحاوية: ونثبت الخلافة بعد عثمان لعلي رضي الله عنهما لما قتل عثمان وبايع الناس عليًا صار إمامًا حقًا واجب الطاعة، وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة، كما دل عليه حديث سفينة أنه قال: قال رسول الله (ص): «خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء»([7]).
4- عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه على: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين، فرأي النبي (ص) ينفض التراب عنه ويقول: ويح([8]) عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن([9]), وفي رواية مسلم عن أبي سعيد قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: بؤسى([10]) ابن سمية تقتلك فئة باغية([11]).قال ابن تيمية بعد ذكره لقوله (ص) تقتل عمار الفئة الباغية([12]):وهذا يدل على صحة إمامة على ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار وإن كان متأولاً، أو باغ بلا تأويل، وهو أصح القولين لأصحابنا وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين قال، وعندما أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدلاله بسيرة على في قتال البغاة المتأولين قال: أيجعل طلحة والزبير معًا بغاة؟ رد عليه الإمام أحمد فقال: ويحك وأي شيء يسعه أن يصنع في هذا المقام يعني: إن لم يقتد بسيرة على في ذلك لم يكن معه سنة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة – إلى أن قال – ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنة في ذلك([13]). فلو قال قائل: إن قتل عمار كان بصفين، وهو مع على، والذين قتلوه مع معاوية، وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار، فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على، وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكونهم معذورين للتأويل الذي ظهر لهم([14]).
قال النووى بعد قوله (ص): بؤسى ابن سمية تقتلك فئة باغية([15]), قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن عليًا رضي الله عنه كان محقًا مصيبًا، والطائفة الأخرى بغاة، لكنهم مجتهدون، فلا إثم عليهم لذلك..وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله (ص) من أوجه: منها: أن عمارًا يموت قتيلا، وأنه يقتله مسلمون، وأنهم بغاة، وأن الصحابة يقاتلون وأنهم يكونون فرقتين باغية وغيرها، وكل هذا وقع مثل فلق الصبح، صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى([16]).
5- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أوْلى الطائفتين بالحق» وفيه أيضا: أنه قال: تكون في أمتى فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق، وجاء بلفظ: قال: تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق. وجاء بلفظ: يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق([17]), فقوله (ص): على حين فرقة – بضم الفاء – أي: في وقت افتراق الناس أي: افتراق يقع بين المسلمين، وهو الافتراق الذي كان بين على ومعاوية رضي الله عنهما([18]), والمراد بالفرقة المارقة هم أهل النهروان كانوا في معسكر على رضي الله عنه في حرب صفين، فلما اتفق على ومعاوية على تحكيم الحكمين خرجوا وقالوا: إن عليًا ومعاوية استبقا إلى الكفر كفرسى رهان، فكفر معاوية بقتال على ثم كفر على بتحكيم الحكمين، وكفروا طلحة والزبير، فقتلتهم الطائفة الذين كانوا مع على، وقد شهد النبي (ص) أن الطائفة التي تقاتلهم أقرب إلى الحق، وهذه شهادة من النبي (ص) لعلي وأصحابه بالحق، وهذا من معجزات النبي (ص) لكونه أخبر بما يكون، فكان على ما قال، وفيه دلالة واضحة على صحة خلافة على رضي الله عنه وخطأ من خالفه([19]).

([1]) سنن أبي داود (4/201)، الترمذي (5/44) حسن صحيح.
([2]) صحيح ابن حبان رقم 6657، الطبراني في الكبير 6442، السلسلة الصحيحة للألباني (1/742- 749).
([3]) عقيدة أهل السنة والجماعة (2/686).
([4]) السنة لعبد الله بن حنبل، ص (235).
([5]) السنة لعبد الله بن حنبل، ص (235)، عقيدة أهل السنة في الصحابة (2/686).
([6]) هذه الرسالة بالمكتبة الظاهرية بخطه في مسودته نقلا عن عقيدة أهل السنة والجماعة (2/286).
([7]) شارح الطحاوية، ص (545)، السلسلة الصحيحة (1/742- 749).
([8]) ويح كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، والويح: ترحم، غريب الحديث لابن الجوزي (2/486)، لطائف في غريب الحديث (4/85)، النهاية في غريب الحديث (5/235).
([9]) البخاري رقم (447).
([10]) كأنه ترحم له من الشدة التي يقع فيها.
([11]) مسلم رقم (2235).
([12]) مسلم رقم (2235).
([13]) مجموع الفتاوى (4/437، 438).
([14]) فتح البارى (1/542).
([15]) مسلم رقم (2235).
([16]) شرح النووى على صحيح مسلم (18/40، 41).
([17]) هذه الأحاديث في صحيح مسلم (2/745، 746).
([18]) شرح النووى على صحيح مسلم (7/166).
([19]) منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين لابن قدمة، ص (75، 76) نقلا عن عقيدة أهل السنة والجماعة (2/683).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال