بيعة طلحة والزبير لعلي رضي الله عنهم.. سابقة علي وفضله، والتزامه بأحكام الكتاب والسنة، وتمسكه الشديد بالعمل بهما، وتعهده في خطبه بتطبيق الأوامر والنواهي الشرعية

عن أبي بشير العابدى قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان، رضي الله عنه، واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليًا، فقالوا: يا أبا الحسن هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به.. فاختاروا، فقالوا والله ما نختار غيرك([1]).. إلخ الرواية وفيها تمام البيعة لعلي – رضي الله عنه – والروايات في هذا كثيرة ذكر بعضها ابن جرير في تاريخه([2]), وهى دالة على مبايعة الصحابة- رضي الله عنهم – لعلي رضي الله عنه، واتفاقهم على بيعته بمن فيهم طلحة والزبير، كما جاء مصرحًا به في الرواية السابقة، وأما ما جاء في بعض الروايات من أن طلحة والزبير بايعا مكرهين، فهذا لا يثبت بنقل صحيح، والروايات الصحيحة على خلافه([3]), فقد روى الطبري عن عوف بن أبي جميلة قال: أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول: إن عليًا جاء فقال لطلحة: ابسط يدك يا طلحة لأبايعك. فقال طلحة: أنت أحق،، وأنت أمير المؤمنين، فابسط يدك, فبسط علىّ يده فبايعه([4]), وعن عبد خير الخيوانى أنه قام إلى أبي موسى فقال: يا أبا موسى هل كان هذان الرجلان – يعنى طلحة والزبير – ممن بايع عليًا؟ قال: نعم([5]),كما نص على بطلان ما يدعي من أنهما بايعا مكرهين، الإمام المحقق ابن العربي وذكر أن هذا مما لا يليق بهما، ولا بعلي، قال- رحمه الله-: فإن قيل بايعا مكرهين «أي طلحة والزبير»، قلنا: حاشا لله أن يكرها، لهما ولمن بايعهما ولو كانا مكرهين ما أثر ذلك، لأن واحد واثنين تنعقد البيعة بهما وتتم، وهذا اجتهاد مرود، ومن بايع بعد ذلك فهو لازم له، وهو مكره على ذلك شرعًا، ولو لم يبايعا ما أثر ذلك فيهما، ولا في بيعة الإمام، وأما من قال: يد شلاء وأمر لا يتم([6]), فذلك ظن من القائل أن طلحة أول من بايع ولم يكن كذلك، فإن قيل فقد قال طلحة: بايعت واللج على قفي! قلنا: اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في (القفا) لغة (قفي)، كما يجعل في (الهوى) (هوي) وتلك لغة هذيل لا قريش([7]), فكانت كذبة لم تدبر، وأما قوله: (يد شلاء) لو صح فلا متعلق لهم فيه، فإن يدًا شلت في وقاية رسول الله (ص) يتم لها كل أمر، ويتوقى بها من كل مكروه، وقد تم الأمر على وجهه، ونفذ القدر بعد ذلك على حكمه([8]). إن الروايات التي تقول بأن طلحة والزبير أكرهوا على البيعة باطلة([9]), وهناك روايات صحيحة أشارت – كما ذكرت – إلى بيعتهما لعلي رضي الله عنهم، وهناك رواية صحيحة أوردها ابن حجر([10]), عن طريق الأحنف بن قيس وفيها أن عائشة وطلحة والزبير، رضوان الله عليهم، قد أمروا الأحنف بمبايعة على رضي الله عنه بعدما استشارهم فيمن يبايع بعد عثمان رضي الله عنه([11]).
إن سابقة علي – رضي الله عنه – وفضله، والتزامه بأحكام الكتاب والسنة، وتمسكه الشديد بالعمل بهما، وتعهده في خطبه بتطبيق الأوامر والنواهي الشرعية، ما كان ليفتح لأحد باب الطعن في ولايته على المسلمين، ويمكن القول إن عليًا كان أقوى المرشحين للإمامة بعد مقتل عمر – رضي الله عنه – فالفاروق عينه في الستة الذين أشار بهم، وهو واحد منهم، على أن الأربعة من رجال الشورى، وهم عبد الرحمن، وسعد، وطلحة والزبير بتنازلهم عن حقهم فيها له ولعثمان تركوا المجال مفتوحًا أمام الاثنين، فلم يبق إلا هو وعثمان، وهذا إجماع من أهل الشورى على أنه لولا عثمان لكانت لعلي، وبعد موت عثمان، وقد قدمه ورجحه أهل دار الهجرة صار مستحقًا للخلافة، على أنه لم يكن أحد من أصحاب رسول الله (ص) الموجودين في ذلك الحين أحق بالخلافة منه- رضي الله عنه – فهو من السابقين والمهاجرين الأولين، وابن عمّ رسول الله، وصهره، بالإضافة إلى ذلك له من القدرة والكفاءة ما لا ينكر، وله من الشجاعة والإقدام والذكاء والعقلية القضائية النادرة، والحزم في المواقف، والصلابة في الحق، وبعد نظره في تصريف الأمور، فكل هذه العوامل تجعله بلا منازع المرشح الوحيد لإمامة المسلمين في تلك الفترة الحساسة من حياتهم([12])، ومع هذا كله فإن خلافته صحت بعدما انعقد إجماع المهاجرين والأنصار عليه ومبايعتهم له.

([1]) تاريخ الطبري (5/449) إسناد الرواية حسن لغيره، حملة رسالة الإسلام الأولون، محب الدين الخطيب، ص (57).
([2]) انظر: تاريخ الطبري (5/448- 450) وقد قام بجمع هذه الروايات ودرسها الدكتور محمد أمحزون، تحقيق مواقف الصحابة (2/59- 75).
([3]) الانتصار للصحب والآل، ص (236).
([4]) تاريخ الطبري (5/456) الانتصار للصحب والآل، ص(236).
([5]) تاريخ الطبري (5/517).
([6]) إشارة إلى ما جاء في بعض الروايات: أن أول من بايع عليًا طلحة – رضي الله عنهما- وكان بيده اليمنى شلل، لما وقى بها رسول الله × يوم أحد، فقال رجل في القوم: أول يد بايعت أمير المؤمنين شلاء لا يتم هذا الأمر، تاريخ الطبري (5/457)، البداية والنهاية (7/237).
([7]) وقبل لغة طيء: ذكره ابن الأثير في النهاية (4/94) وكذلك اللج ليس من لغة قريش بل من لغة طيء، قال ابن الأثير: هو بالضم: السيف بلغة طيء، النهاية (4/234) وقيل: هو السيف بلغة هذيل وطوائف من اليمن، لسان العرب (2/354).
([8])  العواصم من القواصم ص (148، 149).
([9]) استشهاد عثمان ص (141).
([10]) فتح البارى (13/38).
([11]) استشهاد عثمان، ص(141)، المصنف لابن أبي شيبة (11/118)، ورجاله رجال الصحيح عدا عمر بن جاوان مقبول وصححه ابن حجر في فتح البارى (34/13- 57).
([12]) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/91، 92).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال