ذهبت معظم القوانين العصرية على أن الزواج من النظام العام الذي يتعلق بمصلحة الدولة، وأن لولي الأمر طبقا للقواعد الشرعية العامة تنظيم العلاقات الأسرية ومنها الزواج، طبقا للظروف الثقافية والاجتماعية، ومصلحة الدولة والمجتمع.
ونقصد بإلزامية القوانين توثيق الزواج وجوب تسجيله لدى المأذون الشرعي، أو الموظف الرسمي المختص بمقتضى وظيفته، أو القاضي الشرعي في المحكمة، أو أي جهة مختصة بإجراءات توثيق عقود الزواج معترف بها من طرف الدولة، لإعطائه الصبغة الرسمية.
ولقد بدأ توثيق عقد الزواج في الإسلام في العصر الفاطمي، عندما أصبح المسلمون يؤخرون الصداق أو شيء منه، ويكتبون ذلك في وثيقة، فصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفى أنها زوجة له.
"وقد اقتضت طبيعة الحياة العصرية أن تكون هناك وثائق للتعريف بأصحابها كشهادة الميلاد، وبطاقة الهوية، والدفتر العائلي، وجواز السفر وغيرها.
وهذه الوثائق ضرورية للدخول إلى المدرسة، وهى تعتمد في أساسها على عقد الزواج الموثق رسميا"([1]).
وعلى هذا نصت بعض قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية والإسلامية على وجوب توثيق عقد الزواج.
جاء في المادة 99 من قانون الأحوال الشخصية المصري: (لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931م)([2]).
وجاء في القانون الكويتي المادة 92: (لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية، أو سبق إنكار الإقرار بالزوجية في ورقه رسمية)([3]).
يقول الشيخ مخلوف: "عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية، تحل به المعاشرة بين الزوجين، وليس من شرائطه الشرعية إثباته في وثيقة رسمية أو غير رسمية، إنما التوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية، خشية الجحود وحفظا للحقوق وحذرت من مخالفته لما له من النتائج الخطيرة عند الجحود" ([4]).
وعلى هذا فالقانون رتب قبول سماع الدعوة عند إنكار الزواج أن يكون ثابتا بوثيقة رسمية، والشريعة اشترطت مراعاة الأركان والشروط وخلوه من الموانع الشرعية، ولكن إلزام الحاكم الناس توثيق الزواج من باب المصلحة حفظا للحقوق.
وقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، وقد كانت الشهادة في الماضي وسيلة للتوثيق دون الكتابة، ثم كان أمر الكتابة والإشهاد عليها، ونظرا لكون وسيلة الأشهاد في عصرنا أصبحت غير مأمونة لفساد الذمم والأخلاق، وشيوع الكذب وشهادة الزور، والعوارض التي قد تحدث للشهود ([5]).
لجأت القوانين إلى وسيلة مـأمونة وهى التوثيق بالكتابة خشية الجحود، وحذرت من مخالفة التوثيق للمفاسد المترتبة على ذلك.
وقد نص العلماء على أن للحاكم تقييد المباح مراعاة للمصلحة)[6] (قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور".
قال الزرقانى: "ومراده أن يحدثوا أمورا تقتضى أصول الشريعة فيها غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر"([7]).
فمن باب السياسة الشرعية عند تغير الزمان والمكان وأحوال الناس وأعرافهم إحداث نظم وقوانين تحفظ للناس حقوقهم ومصالحهم لضعف الوازع الديني فيصار إلى الوازع السلطاني قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "وما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن"([8]).
فإذا كانت الحكمة من الإشهاد في الزواج للتوثق والاحتياط والإعلان، فإن توثيقه بالكتابة سبب لإشهاره وإعلانه وزيادة في الاحتياط([9]). وقد أصبح وجوب توثيق عقد الزواج في عصرنا من الشروط القانونية، فالقانون العراقي مثلا يعتبر الزواج خارج المحكمة جريمة يعاقب عليها.
[1] دور المراكز الإسلامية فىالدول غير الإسلامية في توثيق الزواج والطلاق الدكتور عبد الحميد المجالى ص5.
[2] فقه السنة الشيخ سيد سابق مج2/ص47.
[3] مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق عمر سليمان الاشقرص145.
[4] الفتاوى الشرعية الشيخ حسنين محمد حسنين مخلوف ج2/ص55.
[5] انظر مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق - أسامة عمر سليمان الأشقر ص134.
[6] السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها الدكتور الشيخ القرضاوى ص/209.
[7] المرجع السابق-قال الشيخ يوسف القرضاوى ص290" قال أن الأثر- تحدث للناس أقضية- قاله الإمام مالك والظاهر أن الأثر مروى عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستحسنه الإمام مالك فقال به كما ورد في شرح الزرقانى للموطأ.
[8]مقاصد الشريعة الإسلامية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ص128.
[9]مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق أسامة عمر سليمان الأشقر ص134 وما بعدها.
التسميات
توثيق الزواج