نشأة الجغرافيا الحديثة.. كارل ريتر والأخذ بالمنهج التجريبي وبمبدأ السببية الذي يقوم على التعليل والتفسير. دراسة الأرض باعتبارها معرضاً لقوى الطبيعة وسكنا للإنسان ومسرحا لنشاطه

بدأت الجغرافيا تأخذ مكانها كعلم بين العلوم بفضل المدرسة الجغرافية الألمانية وإلى كل من كارل ريتر Karl Ritter وهمبولت Alexander Van Humboldt بصفة خاصة.

وإذا كان ريتر وهمبولت من جغرافي القرن التاسع عشر إلا أن البذور الأولى لعلم الجغرافيا قد وضعت على يد الفيلسوف كانت Emmanuel Kant في القرن الثامن عشر، عندما قاده اهتمامه بنظرية المعرفة وفلسفة العلم إلى أن يجمع مادة لمصنف في الجغرافيا الطبيعية التي كانت تدور عنده حول محور إنساني.

أما كارل ريتر Karl Ritter فقد اتجه فى البداية نحو الجغرافيا ليضع أساساً لدراسة التاريخ، ولكن الجغرافيا لم تلبث أن احتوته وانصرف إليها تماماً بنشر كتابه الأول تحت عنوان "دراسة الأرض" الذي جعل منه أعظم جغرافي في عصره وأول أستاذ للجغرافيا في العالم "بجامعة برلين".

وقد أخذ ريتر في دراسته بالمنهج التجريبي، كما أخذ بمبدأ السببية الذي يقوم على التعليل والتفسير.

وقد دعا ريتر الجغرافيا بعلم الأرض بدلاً من علم وصف الأرض، لأن الجغرافيا عنده لم تكن مجرد تجميع ووصف للمعلومات والحقائق، ولكنها تحاول أن ترد هذه المعلومات والحقائق لأصولها الجغرافية.

وفضلاً عن ذلك فإنها تحاول أيضاً إبراز الاختلافات الإقليمية، مستهدفة في النهاية إبراز شخصية الإقليم.

ومعنى هذا أن ريتر اتجه نحو المنهج الإقليمي  وفى الوقت ذاته اتجه نحو المنهج البيئي وذلك بدراسة العلاقة والترابط بين الظاهرات المختلفة داخل الإقليم الواحد.
وقد اهتم بدراسة الأرض باعتبارها معرضاً لقوى الطبيعة، وسكناً للإنسان، ومسرحاً لنشاطه.

وأوضح أن الأرض والإنسان كليهما يؤثر في الآخر وانتهى من ذلك إلى أن تظل الجغرافيا والتاريخ متلازمين ويصعب الفصل بينهما.

أما همبولت فقد كان واسع المعرفة والدراية بعلوم كثيرة كالنبات والجيولوجيا والطبيعة والكيمياء والتاريخ، كما قام برحلة علمية طويلة إلى أمريكا اللاتينية.

وكان من الطبيعي أن تقوده معارفه المتعددة ورحلاته الطويلة إلى طرق باب الجغرافيا للربط بين هذه المعارف على أساس تجريبي.

وأخرج همبولت كتابه المشهور "العالم Cosmos" الذي يعد مسحاً تفصيلياً من الناحية الجغرافية.

وإذا كان ريتر وهمبولت يتشابهان في آرائهما واتجاهاتهما نحو إعطاء الجغرافيا صفة العلم، إلا أنهما يختلفان عن بعضهما في أمر أساسي، هو أن ريتر اتجه نحو دراسة الأقاليم بينما نظر همبولت إلى العالم نظرة كلية، فكانت دراسته شاملة العالم ككل وقد قاده هذا إلى الاهتمام بالجغرافية الأصولية Systematic Geography، بينما اهتم ريتر بالجغرافيا الإقليمية Regional Geography.

والحقيقة أن آراء ريتر وهمبولت وأفكارهما في دراسة الجغرافيا تكملان بعضهما البعض الآخر وتشكلان مجتمعين منهجاً متكاملاً للجغرافيا.
ولذلك يمكن القول بحق بأنهما وضعا حجر الأساس لعلم الجغرافيا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال