إثر الفتوحات وتنامي الدولة الإسلامية واتساع رقعتها، أصبح الأمر يحتاج لفقه يستوعب تلك المستجدات، من حيث إدارة المناطق المفتوحة، ووضعية أهلها- من أسلم منهم ومن لم يسلم وقد سالم- وتقسيم الغنائم والفيء بين المجاهدين والمسلمين كافة... الخ.
ومن المقرر شرعاً أنه يجب تقسيم الغنائم والفيء- بما في ذلك الأرض المفتوحة - على جملة المشاركين في الجهاد، قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} "الأنفال:41".
وكما حدث عملياً من الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم خبير وبني قينقاع وفي يوم بني النضير، إذ قسم الأرض مع بقية الغنائم على المجاهدين، ولكن عمر رضي الله عنه يتبع سياسة مغايرة في هذا الأمر، طبقاً لمقتضيات الظروف وضرورة الحال. ويجعل الأرض المفتوحة وقفاً عاماً للمسلمين، ويمنع تقسيمها من بين الغنائم الأخرى، ويستجيب المستشارون من الصحابة - رضي الله عنهم - في طاعة وتسليم، رغم علمهم بفقه الغنائم وما ورد فيها من نصوص قطعية، ولكنه دأبهم في أدب الاختلاف والتعامل مع المستجدات الفقهية، والاجتهادات التي تتماشى مع حكمة التشريع.
ورد أن عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد فتح مصر كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه بفتحها وشأنها وأن المسلمين طلبوا قسمها، فكتب عمر: (لا تقسمها وذرها يكون خرجها فيئا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم). كما فعل أمير المؤمنين ذلك من قبل بأرض العراق فلم يقسمها.
ومن يومها أصبحت الأرض المفتوحة من موارد الدولة الثابتة، وتصرف عوائدها في صالح الإسلام والمسلمين، تقويةً لأركان الدولة، وصداً للأعداء، وعوناً للرعية، ولم يكن ذلك تشويهاً للإسلام ولا تحايلاً على نصوصه، بل هو الفهم الصحيح للإسلام والاستيعاب الكامل لنصوصه، والتعامل معها بمرونة وثبات.
إذ نظر عمر رضي الله عنه لمستقبل الدولة والأجيال اللاحقة، فاتخذ قراراً يؤمن ذلك، ويحفظ للدولة قوتها، ولم يخرج عن روح النص، إذ أن أحد أهداف توزيع الغنائم دفع المجاهدين وتحفيزهم لحماية دولة الإسلام، فالحماية والقوة والمنعة هي الأصل في هذا المقام.
التسميات
عمر بن الخطاب