استخلاف عمر بن الخطاب.. العمل بمبدأ الشورى بمفهومه الصحيح مجردا عن حظوظ النفس وحب الذات مراعيا مصلحة البلاد والعباد

بعد أن تولى أبوبكر الصديق رضي الله عنه الخلافة خرج عنه قوم  من المسلمين ومنعوا زكاة أموالهم، فقرر قتالهم، وسموا بأهل الردة، وكان رأي عمر رضي الله عنه مخالفاً لرأي الخليفة أبي بكر رضي الله عنه، في قتال أهل الردة، إذ قال عمر: كيف تقاتل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ اعتماداً على قول الرسول (ص)، فيما يروى عن أبي عبد الله طارق بن أشيم رضي الله عنه قال: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم الله ماله ودمه وحسابه على الله تعالى) رواه مسلم.([1])

ولما عزم أبو بكر (ض) على قتالهم بناء على الرأي الغالب، قاتل عمر (ض) في صفوف المجاهدين طاعة لأميره.

وبعد انجلاء المعركة اتضح لعمر صواب الرأي الآخر وسلامة اجتهاد أميره، فجاء يقبل رأس أبي بكر رضي الله عنه ويثني عليه. ولم يلتمس المبررات، ويدافع عن رأيه ويروج له، سعياً لإقحامه في دائرة الصواب، انتصاراً للنفس أو حفاظاً على ماء الوجه. (عن أبي رجاء العطاردي قال: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك لولا أنت لهلكنا. فقلت من المقبِّل ومن المقبَّل ؟ قالوا: عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة، إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين) ([2])

وهكذا نجد عمر رضي الله عنه شورياً موفقاً، يعمل مبدأ الشورى بمفهومه الصحيح، مجرداً عن حظوظ النفس وحب الذات، مراعياً مصلحة البلاد والعباد، متعبداً لله تعالى بكل تصرفاته – الشورية والإدارية والسياسية – فليكن لنا خير سلف في الإقتداء والطاعة والاعتبار. وقد أفلح من سار على دربه في هذا الشأن، حاكماً ومحكوماً.

[1] - الإمام النووي، رياض الصالحين، ص186.
[2] - محمود شيت خطاب، مرجع سابق، ص37.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال