الاعتقال التحفظي في خلافة عمر بن الخطاب.. التصدي للأحداث ومعالجة القضايا في إطار المصلحة العامة وحماية الرعية ولو أدى الأمر إلى التضييق على بعض أفراد الرعية

عقوبة الاعتقال التحفظي التي يمارسها الناس اليوم، تعتبر جزءاً من السياسة الشرعية المعتبرة شرعاً، بشرط عدم الغلو وتقييد حرية الآخرين دون ذنب أو مسوغٍ مقبول.

(فقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سجن بن مسعود في نفر من الصحابة سنة بالمدينة) وورد أنه - أي عمر- عاقب نصر بن حجاج لأنه يتعرض لنساء المدينة في الشوارع ويفتنهن بجماله، فأمر عمر رضي الله عنه بحلق رأسه تعزيراً له، فلم تُجد تلك العقوبة شيئاً، إذ صار نصر بن حجاج أكثر جمالاً وأشد فتنةً بعد حلق رأسه، فقرر عمر رضي الله عنه نفيه إلى خارج المدينة- والنفي كالسجن في وقتنا الحاضرأو أشد -.

(روى أن عمر رضي الله عنه كان يتعسس ذات ليلة فسمع امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها أم هل من سبيل إلى نصر بن حجاج فقال: أما في عهد عمر فلا. فلما أصبح استدعى نصر بن حجاج فوجده أجمل الناس وجهاً، فأمر بحلق شعره فازداد جمالاً، فنفاه إلى الشام) وقيل البصرة.

فقال نصر بن حجاج: (ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك، فقد نفاه لافتتان النساء به وإن لم يكن بصنعه، فهو فعل لمصلحةٍ، وهي إزالة الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه ردٌ  وردعٌ عن منكر واجب الإزالة)، وسدٌ لذريعةٍ قد تجلب الفساد، (ففي جمال نصر وغياب الجنود عن نسائهم، وتوفر الأمن والراحة في المدينة: ذريعةٌ إلى الوقوع في الفتنة، فنقله إلى بلدةٍ هي أشبه بالمنطقة العسكرية يعتبر سداً للذريعة وتربيةً له).

هذه سياسة عمر الشرعية في التصدي للأحداث ومعالجة القضايا في إطار المصلحة العامة وحماية الرعية، ولو أدى الأمر إلى التضييق على بعض أفراد الرعية، في سبيل استقرار وأمن وسكينة الآخرين، حيث كان المضيق عليه هو المؤثر سلباً على تلك المعاني، وعلى هذا نقيس بقية الأشباه والنظائر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال