المصلحة العامة وتصفية الحسابات في خلافة عمر بن الخطاب.. عزل خالد بن الوليد رغم خبراته وقدراته الجهادية ومراسه العسكري وتخطيطه النادر في ميادين القتال

تمَّ عزل خالد بن الوليد (ض) على الرغم من خبرات القائد المعزول، وقدراته الجهادية ومراسه العسكري، وتخطيطه النادر في ميادين القتال، وعمر على علم بهذا كله، ولكنه حرص على مصلحة عظمى قد يخفي أمرها على كثير من الناس.

ولم يُعتبر ذلك العزل عند أرباب النهي والأبصار- رضي الله عنهم - من قبيل تصفية الحسابات، أو إقصاءٌ لعناصر غير مرغوبٍ فيها، أو ما شابه ذلك مما يُروج له اليوم وتمور به الساحة السياسية، دون نظرٍ أو اعتبارٍ بماضي السلف وأساليبهم في التعاطي السياسي.

بل يُعتبر ذلك من أرفع أنواع الأدب السياسي بين الرئيس والمرؤوس. إذا رجل أُقصي لنجاحه وكثرة منجزاته، مراعاةً لمصلحة معتبرة شرعاً، وليس لفشله وإخفاقه، ومع ذلك يواصل عطاءه وبفعالية،لأنه يدرك لماذا يعمل؟ ولمن يعمل؟.

وليس صحيحاً أن عمر كان له موقف مسبق من خالد أدى إلى عزله، كما يُروِّج له بعضهم. وما يؤكد بطلان هذا الزعم ومجافاته للحقيقة قول عمر لخالد، رضي الله عنهما، عندما التقاه: (والله يا خالد إنك عليَّ لكريم وإنك إليَّ لحبيب... وكتب إلى أهل الأمصار وضَّح سبب عزله له قائلاً: إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع).

فحاشا لعمر أن يتعامل بردود الفعل، أو أن ينتقم لنفسه على حساب الحق والعدالة، وهو الذي سماه النبي (ص) (الفاروق) لتفريقه بين الحق والباطل.

وليت الذين ينتقصون من مكانة خالد لموقف عمر منه، أو ينتقصون من مكانة عمر للموقف ذاته، أن يحيطوا بالأمر من أطرافه ويفرقون بين الموقف الاجتهادي المأجور عليه على كل حال، والانحراف الفكري أو السلوكي الذي يتنزه عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن لا يجوز أن يكون هذا الموقف منطلقاً لإقصاء أهل القوة والأمانة من المناصب الإدارية أو مواقع العمل في الخدمة المدنية، لنزاعات شخصية أو لتصفية حسابات سياسية، فإن هذا ليس من العدل ولا يقره الشرع  ولا العرف السوي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال