(عن أنس قال: أُتي رسول الله (ص) برجل شرب الخمر فضربه بالنعال نحواً من أربعين، ثم أُتي به أبو بكر رضي الله عنه فصنع مثل ذلك، ثم أُتي به عمر رضي الله عنه فاستشار الناس في الحدود.
فقال ابن عوف: أقلَّ الحدود ثمانون، فضربه عمر ثمانون) و(ورد في رواية مسلم أن علياً رضي الله عنه جلد الوليد بن عقبة أربعين.
ثم قال جلد رسول الله (ص) أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكلٌ سنة وهذا أحب إليّ). وفعل رسول الله (ص) حجة لا يجوز تركه بفعل غيره، ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر وعلى. فتحمل زيادة العقوبة هنا على أنها تعزير يجوز فعله إذا رآه الإمام.
فعمر رضي الله عنه وجد نفسه أمام ظاهرة تقتضي الحسم، وهي ظاهرة تفشي الخمر وعدم المبالاة بالحد، فاجتهد لحسمها.
والذي ينبغي التأمل فيه والتأسي به، موقف علي رضي الله عنه من هذا. فهو يخالف عمر الرأي، ولكنه ينعته بما هو خير، ولا يتطاول عليه ويسفه اجتهاده، بل يسمي ذلك "سنة" فهو لا يلتزم به لأن العمل الأول أحب إليه، ولكنه لا يستنكر الثاني ولا يقلل من شأنه.
تلك هي المعاني التي غابت عن الكثير من المسلمين اليوم، وتاهت عن إدراك كنهها عقولهم، وذلت في سبيلها أقدامهم، وشتان ما بين السلف والخلف في هذا المقام الكبير، والمنعرج الخطير، نعم إن النصوص الشرعية القطعية والأحكام المنبثقة عنها لها قدسيتها ومكانتها في نفوس المؤمنين، واتباعها والتزامها واجب، ولكن الأوجب من ذلك هو إعمالها، ومعالجة الأحداث على ضوئها، ومجابهة المشكلات في محيط حكمتها، إذ أنها لم تنزل للتبرك والترنم بها فحسب، بل جاءت لحسم قضايا المجتمع، وحل مشكلاته، وتبصيره بطريق النجاة في الدنيا والآخرة، فتعليقها على صحائف ملساء، والترفع بها عن ميادين الأحداث وتقلبات الحياة خوفاً عليها، لعمري هو من أول مظاهر الاعتداء عليها والانتقاص منها.
التسميات
عمر بن الخطاب