من المعلوم أن أموال الدولة الإسلامية في فجر مولدها وفي صدر الإسلام، كانت تقسم على مستحقيها، وفي مصارفها دون أن يبقى من ذلك شيء، وبالتالي لم تكن هناك خزائن للدولة ولا بيت مال.
ولما اتسعت الدولة وشغل عمر رضي الله عنه بكثرة الأموال التي كان عماله يبعثون بها من كل فج - نظراً لازدياد الموارد وغزارة ريعها - رأي عمر رضي الله عنه أن لابد من وضع نظام لإحصاء هذا المال وتوزيعه، مما حمل أمير المؤمنين على التفكير في إقامة نظام مالي للدولة الناشئة.
(قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للناس يوماً: إنه قدم علينا مال كثير، فإن شئتم أن نعده لكم عدا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلاً، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوِّنون ديواناً يعطون الناس عليه، قال: فدوَّن الديوان).
وهكذا برز بيت المال باعتباره وعاءاً جديداً في جسم الدولة الإسلامية وهيكلتها، تصرف منه رواتب الجنود والعمال، وتسد منه حاجة المعدمين.
ومرة أخرى تجود قريحة عمر رضي الله عنه بإتباع سياسة تصلح الدولة والرعية، وتحفظ المال العام وتحقق الصالح العام، ولم يقف مكتوف الأيدي أمام الأحداث العظام، ويتذرع بالتمسك بما ورثه عن صاحبيه خشية الابتداع أو التشويه.
وما تجدر الإشارة إليه: أن هذه الأُعطيات التي تعطى للمعوزين من بيت المال، لم تكن سبباً لبطالتهم أو اعتمادهم على غيرهم- أي إنها لم تثمر تسكعاً وخمولاً وتركاً للإنتاج والإبداع - بل أثمرت نشاطاً وحيويةً وانطلاقاً نحو الآفاق، تبليغاً لدين الله، وتمهيداً لنشر الدعوة وكسباً للرزق (فلسنا نعرف اليوم بلداً يوفر فيه الرزق على الناس من بيت المال أو من خزائن الدولة دون أن يمنعهم ذلك من العمل لأنفسهم وللناس، ومن التزيد من الكسب والتوسع في الفيء). ذلك لأن المسلم يدرك قيمة الوقت والعمل وثوابه، وخطورة المسألة والخمول وعقابها.
وهذا ما ينبغي أن تركز عليه وتبصر به المنظمات والأفراد العاملين في مجال العون الإنساني، والتصدي لحملات التشويش والتنصيرالعالمية، عليهم تبصير القادمين إلى الإسلام، وكذلك المسلمين الذين تعرضوا لنكبات وظروف اضطرتهم إلى النزوح ودخول الملاجئ، وتلقي الإغاثات، بأن الإسلام دين عمل وجدٍ وإنتاجٍ، وأن المؤمن مأمور بكسب الرزق واستغلال الوقت، وشغل الفراغ بما ينفعه، قال (ص) (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ).
التسميات
عمر بن الخطاب