لم تفصل الدولة الإسلامية في عهدها الأول في جانب تقاطعاتها الإدارية المختلفة، بل كانت تدار من داخل المسجد وخارجه بأمر القائد الأعلى محمد (ص)، ثم بأمر الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه بصورة مجملة.
ولما جاء عمر رضي الله عنه وتهيأت له أسباب نشر الدعوة، وتوسعت رقعت البلاد، قام بترتيب الأمور وجدولتها، واستحداث ما كان ضرورياً لبناء الدولة حسب ظروفها، ومن ذلك قيامه بإنشاء الديوان، مثل: ديوان الجند، وديوان بيت المال، وديوان الحسبة، وديوان البريد، وديوان الموظفين، وصك النقود، وتعيين القضاة في كل الولايات... إلخ.
"قيل إن الوليد بن هشام بن المغيرة قال: يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكاً دوَّنوا ديواناً وجنَّدوا جنوداً فدوِّن ديواناً وجنَّد جنوداً فأخذ بقوله".
ومن هنا بدأت الدولة الإسلامية تأخذ في التدرج نحو تقاسيم الهياكل الإدارية المفصلة، وكان بيت المال – هذا الاسم الجامع – ثم وزارات أو بيوت إدارية مختلفة انتشرت في أنحاء الدولة، في إطار سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقصير الظل الإداري.
ولولا سياسة عمر رضي الله عنه القائمة على التقلب مع مصلحة البلاد والعباد، وخروجه عن قاعدة التمسك بالمألوف عرفا – ولو ترتب عليه تفويت مصلحة أو جلب مفسدة – لما رأت الدولة الإسلامية الناشئة الراشدة النور، ولما تيسر لها أن تناطح دول العالم في عهده ومن بعد عهده، وأن تحوز قصب السبق في كثير من المجالات.
على الرغم من أن عمر رضي الله عنه قد استمد مفردات تلك التنظيمات الإدارية من أنماط الإدارة المعمول بها في الدولة الفارسية والرومية القائمة آنذاك، فإنه كان يستند إلى تعاليم الإسلام وروح نصوصه التي قدمت للناس توجيهات عامة ثم فسحت المجال للإبداع والابتكار في ظل تلك التوجيهات وفي محيط حكمتها.
وعلى نسق السياسة الشرعية المتبعة عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد وجه باستخدام التاريخ الهجري في التوقيت للأحداث والتعامل الرسمي، عوضا عن التواريخ التي عرفها العرب في الجاهلية وهي كثيرة منها: التاريخ الميلادي والتاريخ الفارسي والتاريخ القبطي والتاريخ الآشوري والتاريخ البابلي وغيرها.
فلما تساءل المسلمون أي التواريخ يأخذون بها؟
وجه عمر رضي الله عنه بالعدول عنها جميعها واعتبار حدث الهجرة النبوية هو الحدث المهم عند المسلمين واعتماده في الاستخدام الرسمي للدولة، إشارة إلى استقلال الدولة الإسلامية في كل شأنها، ورمزاً للاعتماد على الذات، وإحياءً لهذه المناسبة العظيمة، وتأكيداً لشخصية المسلم في استقلال قرارها.
التسميات
عمر بن الخطاب