عمر بن الخطاب ووقف سهم المؤلفة قلوبهم.. الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام أوالتثبيت عليه أو كف شرهم عن المسلمين أو رجاء نفعهم

المؤلفة قلوبهم (هم الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام أوالتثبيت عليه أو كف شرهم عن المسلمين أو رجاء نفعهم).
فهم إذا: إما مسلمون ويعطون من المال تثبيتاً لهم في الإسلام لحداثة عهدهم به، أو استمالةً لغيرهم ممن لم يسلم وله بهم صلة.

كما حدث في غزوة حنين مع أهل مكة الذين اسلموا بعد الفتح، حين أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الغنائم أكثر من ما أعطاه للسابقين في الإسلام، نظراً لحداثة عهدهم  بالإسلام، وكما حدث من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر، إذ أعطاهما لمكانتهما في قومهما وهما مسلمان.

وإما كفارٌ ويعطون من المال رجاء إسلامهم ومن معهم أو دفعاً لشرهم ومن معهم، كما حدث مع صفوان بن أمية في غزوة حنين، إذ حضرها وهو غير مسلم، وأعطاه الرسول (ص) من الغنائم تأليفاً له فأسلم.

وقد جعل الإسلام للمؤلفة قلوبهم أحكاماً استثنائية في بعض أحوالهم، تأليفاًً لقلوبهم، وتقديراً لظروفهم ومن ذلك:

1- أنهم يجوز إعطاؤهم من الغنائم والفيء أكثر من بقية المجاهدين.
2- أنهم لا يقام عليهم حد أو عقاب في جناية ارتكبوها جهلاً بحكمها، إن كانوا حديثي عهد بالإسلام.
3- جعلهم أحد مصاريف الزكاة الثمانية، الواردة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} "التوبة :60".

وقد مضت السنة عملياً في تطبيق هذه الأحكام كما حدث في غزوة حنين وغيرها، ومع هذا نجد عمر رضي الله عنه، وفي إطار سياسته الشرعية في إدارة شؤون الدولة والرعية يوقف هذه الخصوصية للمؤلفة قلوبهم، فيمنع عنهم الصدقات، ويمنع تمييزهم في الغنائم والفيء ويقول: (إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم إليه وإلا فبيننا وبينكم السيف.

فيعطل نصاً شرعياً غير منسوخ، ويخرج عن السوابق العملية، نظراً لظرفٍ أستجد ومصلحة يجب تحقيقها، كل ذلك في إطار السياسة الشرعية وتقلباتها مع مصالح العباد المرسلة، مستصحباً لمقاصد الشرعية ومراميها (والحق إن أعمق رؤى البصيرة، وأعمق أسرار الشريعة قد التقت لقاءً سعيداً في وعي هذا الرجل الراشد الأمين).

وما تجدرالإشارة إليه أن المؤلفة قلوبهم يجب الاهتمام بهم، وإنفاذ سهمهم في وقتنا المعاصر، لزوال السبب الذي أدى لمنعه، ونظراً لحالة الركود التي يعيشها المسلمون اليوم، فإعمال النص مازال متاحاً، بل يجب الرجوع إليه والأخذ به بتوسعٍ وفهمٍ عميقين، ليحقق أهدافه، ومن هنا تتجلى عبقرية عمر رضي الله عنه، ومن قبل ذلك تتضح سعة الإسلام ومرونة أحكامه في مسايرة كل ظرف دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير.

وفي دخول غير المسلمين في اصطلاح المؤلفة قلوبهم، وفي إمكان إعطائهم من المال، إشارة قوية إلى أن المال يجب أن يبذل في مصلحة الإسلام دوماً، ويسخر في سبيله أبداً.
مع علمنا بدور المنظمات والهيئات الإسلامية ذات الانتشار الواسع في أماكن المؤلفة قلوبهم اليوم، إلا أننا أردنا أن نذكر بعض الغافلين بضرورة الالتفاف حولها لتؤدي دورها بنجاح أكبر وتوسع أكثر، وما أكثر المتفرجين من المؤمنين! فإلى متى؟

فلنقتطع من قوتنا وندفع بكمالياتنا لينتشر الإيمان ويعم الخير، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً، وهي مهمة كلِّ مسلم ٍ وواجبه الأول.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال