أسباب الأزمات المالية.. توسع المقرضين في إقراض الشركات دون تحوط كاف أو التحقق من قابلية استرداد القروض مجددا

تتعدد النظريات المفسرة لظهور الأزمات المالية وتختلف من حيث نوع هذه الأزمات كما تختلف أيضا في حدتها وتأثيرها ومداها الزمني. فمنها ما قد ينتج عن ذعر مصرفى "Banking Panic"، والذي بدوره يترتب عليه كساد أو انكماش فى النشاط الاقتصادي؛ بينما فى أحيان أخرى قد يكون السبب إنهيار حاد فى أسواق الاسهم خاصةً بعد وجود فقاعة  Bubble، في أسعار بعض الأصول – كما سبق الإشارة-؛ أو بسبب أزمة عملة وانهيار سعر الصرف مما ينتج عنه عدداً من الآثار السلبية على المسار التنموي للاقتصاد القومي.

وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى الجدل الدائر حول إلقاء ظلال المسئولية على النظام الرأسمالى. فهناك من يرفض النظام الرأسمالي برمته، فوفقا لنظرية "مينسكي" "Minsky's Theory" فإن القطاع المالى في الاقتصاد الرأسمالي عامة يتسم بالهشاشة أو ما أسماه "Financial Fragility".

وتختلف درجة هشاشة القطاع المالى باختلاف المرحلة التى يمر بها الاقتصاد من مراحل الدورات الاقتصادية، ومن ثم تزيد خطورة حدوث أزمة فى ذلك القطاع على الاقتصاد ككل.

و تدور نظرية "مينسكى" في تفسير الأزمات المالية في النظام الرأسمالي على  أن أي اقتصاد يمر بالمراحل المعروفة للدورة الاقتصادية، فبعد مرور الاقتصاد بمرحلة كساد، تفضل الشركات تمويل أنشطتها بحرص وعدم تحمل مخاطر كبيرة فى تعاملها مع القطاع المالى، وهو ما يسمى "التمويل المتحوط".

وفي إبان مرحلة النمو، تبدأ التوقعات المتفائلة فى الطفو على السطح وتتوقع الشركات ارتفاع الأرباح، ومن ثم تبدأ فى الحصول على التمويل والتوسع فى الاقتراض بافتراض القدرة المستقبلية على سداد القروض بلا مشكلات ُذكر.

وتنتقل "عدوى" التفاؤل بدورها بعد ذلك إلى القطاع المالي، ويبدأ المقرضون فى التوسع فى إقراض الشركات دون تحوط كاف أو التحقق من قابلية استرداد القروض مجدداً، ولكن بناءً على قدرة تلك الشركات على الحصول على تمويل مستقبلي نظراً لأرباحهم المتوقعة. وفى ذلك الوقت يكون الاقتصاد قد تحمل مخاطرةً بشكل معنوي فى نظام الائتمان.

وفي حال حدوث مشكلة مادية أو أزمة مالية لكيان اقتصادى كبير يبدأ القطاع المالى فى الإحساس بالخطر مما يؤثر على قابليته للإقراض، الأمر الذي يؤثر بدوره على قدرة معظم الكيانات الاقتصادية على سداد التزاماتها، وتبدأ الأزمة المالية التى قد لا يتمكن ضخ أموال فى الإقتصاد من حلها، وتتحول الى أزمة اقتصادية تؤدى لحدوث كساد ويعود الاقتصاد لنقطة البداية مجدداً.

ومن التفسيرات الحديثة للأزمة المالية ما طرحته نظرية المباريات "game theory" تحت ما يعرف "بمباريات التنسيق بين اللاعبين في الأسواق المالية" Coordination Games".

إذ تؤكد أدوات التحليل الإقتصادى وجود علاقات موجبة بين القرارات التى يتخذها لاعبو الحلبة الاقتصادية (المضاربون، المستثمرون،....).

فقد يكون قرار المستثمر فى كثير من الأحيان باتخاذ الاتجاه الذى يتوقع هذا المستثمر الآخرين أن يتخذوه.
بمعنى آخر، قد يكون قرار شراء أصل ما، بناءً على التوقع بأن قيمة ذلك الأصل ستزداد، وأن له القدرة على توليد دخل مرتفع. بينما فى أحيان أخرى قد يتخذ المستثمر القرار ذاته نظراً لتوقعه قيام المستثمرين الآخرين بأخذ ذات القرار، حينئذ، تبدو الصورة مختلفة.

وقد أكدت بعض النماذج الرياضية التى استخدمت لتحليل أزمات العملة مثل نموذج "بول كروجمان Paul Krugman" - ذلك السلوك.

على سبيل المثال أن نظام سعر الصرف الثابت قد يحتفظ باستقراره لفترة طويلة، ولكن قد يحدث له انهيار سريع لمجرد وجود عوامل قد تسبب أن يتوقع الآخرون انخفاض سعر الصرف، ومن ثم يبدأ السعر فى الانخفاض وربما الانهيار فعلياً.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال