بعد اتساع رقعة الدولة إثر الفتوحات الإسلامية، وجد الخليفة عمر رضي الله عنه نفسه أمام مستجدات في أمر الحرب، تحتاج إلى اجتهاد وترتيب شأن القتال، وتخطيط لمواجهة الأعداء والأحداث في المواقع الجديدة، ومن حينها سعى جاداً في تكوين قوة عسكرية رسمية تتكون من أفراد بعينهم، وتحديد مناطق عسكرية، (فكان من أوليات عمر إقامة المعسكرات المتعددة ليتجمع في كل معسكر جند معينون مزودون بكل ما يحتاجون إليه من الرزق والسلاح، وتكون هذه المعسكرات قواعد حربية ثابتة ينطلق منها جند الله في وقت النفير).
بل تجاوز ذلك وقام بتكوين قوات احتياطية لتكون تحت الاستعداد لكل طارئ، (كان عمر قد أعد في الأمصار خيولاً للطوارئ وتتحرك بإنذار قصير للأماكن المهددة بالخطر من دار الإسلام، وقد حمى عمر بعض المراعي لتلك الخيول، فحمى الربذة مثلاً لخيول المسلمين، وكانت عنده خيل موسومة على أفخاذها "حبيس في سبيل الله" يحمل الغزاة عليها وأقام الثغور والمسالح - أي نقاط عسكرية - واتخذ قوات احتياطية وأمر قادة الجبهات الجهادية أن يوافوه بالتقارير المفصلة في أوقات منتظمة، وخصص للجيوش الأطباء والقضاة والمرشدين.
وبهذا بدأت القوة العسكرية المنتظمة تشق طريقها في ظل دولة الإسلام، فهو يتخذ كل ما يلزم من أسباب القوة والنجاح، فنجد القضاء العسكري والتوجيه المعنوي...إلخ.
أما التوجيه المعنوي فقد أولاه غاية اهتمامه، باعتباره عاملاً حاسماً ومؤثراً في ميزان الحرب وإدارتها، كتب إلى سعد بن أبي وقاص ومن معه في الطريق إلى القادسية فقال: أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى العدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوِّهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم ولا عددتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.
فهذه توجيهات عسكرية تصدر بصيغة الأمر، وبالتالي ليس أمام القائد وجنوده خيار غير تنفيذها، وهي تعكس مدى اهتمام القائد عمر رضي الله عنهِِِ، بهذه المؤسسة الحيوية، ومدى فهمه واستيعابه للحياة السياسية، والضرورات الظرفية، ثم إصدار اللوائح والأوامر والتشريعات المناسبة لكل حال وكل موقف وكل ظرف.
التسميات
عمر بن الخطاب