الخديعة في حق غير المسلمين.. إن كان بينهم وبين المسلمين عهد فلا يجوز الخدع ولا التبييت بالهجوم الغادر وهم آمنون مطمئنون إلى عهد لم ينقض ولم ينبذ

أمّا الخديعة في حقّ غير المسلمين في الحرب، فإن كان بينهم وبين المسلمين عهد، فلا يجوز الخدع، ولا التّبييت بالهجوم الغادر، وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ينقض، ولم ينبذ، حتّى لو كنّا نخشى الخيانة من جانبهم . قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وقال: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} وقال: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} وأمّا إذا استشعر الإمام عزمهم على الخيانة بأمارات تدلّ عليها لا بمجرّد توهّم، لم ينتقض عهدهم، ولا يجوز خدعهم ولا تبييتهم بهجوم غادر، وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ينقض، ولم ينبذ. بل ينبذ إليهم العهد ثمّ يقاتلهم . قال اللّه تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}.
قال الشّوكانيّ في تفسير الآية: إمّا تخافنّ من قوم خيانةً: أي غشّاً، ونقضًا للعهد من القوم المعاهدين فاطرح إليهم العهد الّذي بينك وبينهم ، على سواء أي أخبرهم إخباراً ظاهراً مكشوفاً بالنّقض، ولا تناجزهم الحرب بغتةً.
فأمّا بعد أن نبذ إليهم عهدهم، وصار علمهم وعلم المسلمين بنقضه على سواء، وبعد أن أخذ كلّ خصم حذره، فإنّ كلّ وسائل  الخدعة مباحة، لأنّها ليست غادرةً، فمن جازت عليه الخدعة والحالة هذه، فهو غافل وليس بمغدور به. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة».
وجاء في فتح الباري في الحديث: الأمر باستعمال الحيلة في الحرب مهما أمكن ، والنّدب إلى خداع الكفّار، قال النّوويّ: اتّفقوا على جواز خداع الكفّار في الحرب كلّما أمكن، إلاّ أن يكون فيه نقض عهد، أو أمان فلا يجوز.
وفيه الإشارة إلى استعمال الرّأي في الحرب بل الاحتياج إليه أكثر من الشّجاعة. وقال ابن المنير: معنى «الحرب خدعة» الحرب الجيّدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنّما هي المخادعة، لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظّفر مع المخادعة بغير خطر . قال النّوويّ : قال العلماء: إذا دعت مصلحة شرعيّة راجحة إلى خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلاّ بالكذب ، فلا بأس بالتّورية، والتّعريض.
وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه، وليس بحرام إلاّ أن يتوصّل به إلى أخذ باطل، أو دفع حقّ فيصير عندئذ حراماً.
وفي التّورية قول محمّد بن مسلمة، في قصّة كعب بن الأشرف بعد أن استأذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول: كما جاء في حديث جابر: «إنّ هذا أي: النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد عنّانا، وسألنا الصّدقة، فإنّا اتّبعناه فنكره أن ندعه » وكلّ هذه الكلمات تورية: وقصد بها إلى معنىً غير المعنى المتبادر منها. ومعنى عنّانا: كلّفنا بالأوامر والنّواهي. ومعنى سألنا الصّدقة: طلبها ليضعها في مكانها الصّحيح. ونكره أن ندعه: نكره أن نفارقه. وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغزو غزوةً ورّى بغيرها.
والمراد أنّه إذا كان يريد غزو جهة فلا يظهرها ويظهر غيرها، كأن يريد أن يغزو جهة الشّرق، فيسأل عن أمر في جهة الغرب، فيتجهّز للسّفر فيظنّ من يراه ، ويسمعه أنّه يريد جهة الغرب. وهذا في الغالب فقد صرّح بجهة غزوة تبوك للتّأهّب لها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال