العالمية وتبني سياسة التصنيع الحكومي.. قدرة اقتصاديات التخطيط المركزي على النمو السريع من خلال قيام الدولة بتعبئة الموارد للاستثمار وضمان عدالة التوزيع أثناء النمو

منذ نشأ النظام الرأسمالى القائم على اليات السوق فى اوربا الغربية سواء فى مرحله الرأسمالية التجارية أو في مراحل الصناعية اللاحقة وهو يسعى للعالمية. والعالمية هى من طبيعته العضوية المكونة له.

فالباعث على الانتاج وهو السعي لتحقيق الربح وتعظيمه وتنميته يقتضى توسيع الاسواق داخل وخارج الحدود.

ويتطلب ذلك السعي لحرية تبادل السلع وحرية انتقال رؤوس الأموال، وهما عمادا عالمية نظام السوق.

وقد استخدم نظام السوق، او النظام الرأسمالي، اليات كثيرة لتحقيق العالمية طيلة عقود  عديدة منها الجيوش (الاستعمار) والشركات التجارية والشركات متعددة الجنسيات، والدولة، والمساعدات الاقتصادية، والعقوبات، والمنظمات الدولية، والتعليم ونشر الثقافة وغيرها من الاليات لتوسيع دائرة هيمنة النظام.

وعلى الجانب الاخر سعت دول التخطيط المركزى الى السيطرة على دول العالم الثالث فى حربها الباردة ضد النظام الاقتصادى العالمى السائد (النظام الرأسمالى). واستخدمت اساليب عديدة منها الغزو العسكرى (الاحتلال) وفرض النظام، والمساعدات والتجارة، والعقوبات، والغزو الثقافى والتعليم.

ولم تكن نزعه نظام التخطيط المركزى الى العالمية بذات القوة كما فى نظام السوق لان العالمية ليست من المكونات الاقتصادية التلقائية للنظام الاشتراكى وإنما يفرضها الاقتناع بالعقيدة (شعار يا عمال العالم اتحدو) او تفرضها ظروف الصراع السياسى بين النظامين.

فالعالمية ظاهرة قديمة مرتبطة بالنظم الاقتصادية التى سادت العالم حتى انتهاء الحرب الباردة مع مطلع التسعينات.

وكان اهم مظهر سياسى لهذه العالمية هو محاولة كل معسكر أن يستقطب دول العالم الثالث.
كما كانت اهم مميزات فترة الحرب الباردة انه كان هناك قدر معين من هامش المناورة امام الدولة النامية.

كان هامش المناورة الذى اتيح للبلاد النامية فى ظل مرحلة العالمية يتمثل فى وجود احد البديلين للنمو أمام معظم دول العالم الثالث ، وهما ان تتبنى هذه الدول سياسات اقتصادية قائمة اما على هيمنة الدولة على معظم النشاط الاقتصادي (وقد أطلقنا عليها سياسة التصنيع الحكومى) أو تتبنى سياسات أخرى تقوم على جعل آليات السوق توجه معظم النشاط الاقتصادي.

وقد دلت تجربة العقود التى لحقت الحرب العالمية الثانية هى مرحلة الاستقلال السياسى للدول النامية ان غالبيتها، تحت تأثير العداء للبلاد الرأسمالية الصناعية المتقدمة التى مارست الاستعمار، قد تبنت استراتيجية التصنيع الحكومى طريقا للنمو.

وساعد على هذا الاختيار نجاح الدعاية السوفيتية فى إظهار قدرة اقتصاديات التخطيط المركزي على النمو السريع من خلال قيام الدولة بتعبئة الموارد للاستثمار وضمان عدالة التوزيع أثناء النمو.

لقد شاعت أفكار الدعاية السوفيتية خلال مرحلة ما بعد الاستقلال ومكنت الظروف (الحرب الباردة وانقسام العالم الى قوتين عظميين) من تبنى غالبية الدول النامية سياسة التصنيع الحكومى لعدة عقود.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال