المقصود بالتجنيد الإجباري: إلزام كل مستطيع من أفراد الرعية بالدخول في الجندية تلبية لواجبٍ عامٍ، كرد عدوان أو إخماد فتنة أو تكوين قوة احتياطية لمواجهة النوازل، وفي كل حالة يكون فيها الجهاد فرض عين على كل مسلم لم يشمله استثناء أصلي أو عارض- أي غير المعوقين والمعذرين- وهي مسألة لا خلاف بين علماء الإسلام في وجوبها وحتميتها، إذ أنها ضرورة دينية ووطنية، ويقع أمر تنفيذها على عاتق الحاكم أو ولي الأمر عند نشوء سببها.
ويعتبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من طبقها عملياً في ظل الدولة المسلمة، وذلك بإنشائه للمؤسسة العسكرية ثم إلزامه للناس بضرورة المشاركة فيها دورياً، لحماية الثغور والرباط هناك، فهو الذي (أقام الثغور والمسالح- أي نقاط عسكرية- وأخذ قوات احتياطية، وأمر بالتجنيد الإجباري، وأمر قادة الجبهات الجهادية أن يوافوه بالتقاريرالمفصلة في أوقات منتظمة).
عندما خشي المثنى بن الحارث- قائد الجند بالعراق- من جموع الفرس واستنجد، كتب إليه أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه فقال: (ولا تدعوا في ربيعة أحداً ولا مضر ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات ولا فارساً إلا اجتلبوه، فإن جاء طائعاً، وإلا حشرتموه، أحملوا العرب على الجد إذا جد العجم، فلتلقوا جدهم بجدكم، ثم كتب إلى عمال العرب على الكُوَرِ- أي المدن- والقبائل: ألا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه إليَّ والعجل العجل.
والمتأمل في هذا كله يجد الفهم المتكامل للإسلام وإعمال العقل والاجتهاد المتواصل في إنزال الإسلام على أرض الواقع، بل وفي كل أركان الحياة، دون الإنزواء به في ركن قصي، خوفاً عليه من التلطخ بخطايا البشر ومشكلات الحياة، أو حرصاً على التمسك بما ورد به النص وترك ما سواه سدىً، بحجة عدم الابتداع في الدين أو الحذر من تشويه الإسلام.
وللأسف فإن ظاهرة التجنيد الإجباري معمول بها وبجدية متناهية في بلاد غير المسلمين، وبنسبة قليلة في بلاد المسلمين، بل ويستنكرها بعضهم غفلة أو تغافلاً.
وإذا خلصنا إلى مشروعية التنجيد الإجباري وحتميته بلا نزاع، باعتباره أحد المسلمات الشرعية والضرورات العصرية والبدهيات العقلية، فإنه يتبادر للأذهان سؤال ملح : وهو:
متى يكون التجنيد الإجباري فرض عين؟.
يجيب على هذا السؤال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فيقول:
(ذا داهم العدو المسلمين في عقر دارهم وبلادهم، فإن عليهم دفعه بالقوة مهما كانت الوسيلة والظروف، ويعم الواجب في ذلك المسلمين والمسلمات كافة، بشرط الحاجة وتوفر مقومات التكليف). أي متى كان الجهاد فرض عين فإن التجنيد الإجباري يكون فرض عين كذلك.
التسميات
عمر بن الخطاب