الأدب في العصر العباسي.. الكلام الجيد من المنظوم و المنثور وما يتناوله بالتفسير والشرح والنقد والتعليق

معنى كلمة (أدب) في العصر العباسي:

لمّا قويت الحركة العلمية، وبلغت ذروة كمالها في العصر العباسي، ممثلة في تأليف الكتب، وتصنيف المعارف والنهوض بالترجمة، صار هذا العصر يُعرف بالنهضة في مختلف النواحي الثقافية، استقلت كلمة (أدب) و تفردت بالمعنى الذي ظلّ سائداً حتى الآن، فصارت تُطلق على الكلام الجيد من المنظوم و المنثور، وما يتناوله بالتفسير والشرح، والنقد والتعليق.

حرفة الأدب:

كما استمرت لقباً على أولئك في منتصف القرن الثالث، ومن ذلك كان منشأ الكلمة المشهورة (حرفة الأدب) وأول من قالها الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العروض المتوفى سنة 175هـ ، وذلك في قوله كما جاء في المضاف والمنسوب للثعالبي: (حرفة الأدب آفة الأدباء)؛ لأنهم كانوا يتكسبون بالتعليم ولا يؤدبون إلا ابتغاء المنالة، وذلك في حقيقة معنى الحرفة على إطلاقها.
ونجد بيتاً مشهوراً لأبي الطيب المتنبي يستعمل فيه كلمة (أدب)، بمعنى الإنتاج الشعري، و البراعة اللغوية المتمثّلة في شاعريّته، فقال:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي + و أسمعت كلماتي من به صمم.

المأثور من الشعر والنثر:

وهكذا شهد القرن الثالث الهجري تحديداً لمعنى الأدب، وأنه المأثور من الشعر والنثر وما يتصل بهما ، أو يفسرهما، أو يدل على مواضع الجمال فيهما.
فهذا محمد بن المبرد المتوفى سنة 258هـ يقول في صدر كتابه (الكامل): (هذا كتاب ألفناه يجمع ضروباً من الآداب مابين كلام منثور، وشعر موصوف، ومثل سائر، وموعظة بالغة ... )، وكذلك الجاحظ في البيان و التبيّن يقول: (اطلب الأدب فإنه دليل على المروءة وزيادة في العقل وصاحبٌ في الغربة وصلة في المجلس).

استخدام واسع:

و نلمح بجلاء هذا الاستخدام الواسع لكلمة (أدب) فيما نرصده من استخدام عند العرب القدامى، لاسيما ابن المقفع في رسالتي (الأدب الكبير) و (الأدب الصغير) التي اشتملتا على ضروب من الحكم والنصائح الخلقية و السياسية.
وكذلك أبو تمام في (ديوان الحماسة) حيث أطلق على الباب الثالث الذي جمع فيه مختارات من طرائف الشعر باسم (باب الأدب).
وينطبق هذا المعنى تمام الانطباق على (كتاب الأدب) الذي عقده الإمام البخاري المتوفى سنة 256هـ في مؤلفه المشهور في  الحديث والمعروف باسم (الجامع الصحيح)، وكتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة.

الطابع العلمي للأدب:

كما نجد أنّ هذه الكلمة في العصر العبّاسي بدأت تأخذ معنى علمياً تندرج تحته جملةٌ من العلوم و الفنون، وذلك عند السكاكي: "وقد ضمّنت كتابي هذا من أنواع الأدب دون نوع اللغة ما رأيته لابد منه وهي أنواع متآخذة" وذكر علم الصرف، وعلم النحو، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم الحدّ و الاستدلال، وعلم العروض، وعلم القوافي.
و تبعه بدر الدين ابن مالك في هذا الاتجاه، وعرّف الأدب بقوله: "هو معرفة ما يحترز به عن جميع وجوه الخطأ في العربية".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال