التصور الديني للعالم وعلاقة الأديان التوحيدية الثلاثة بمدينة القدس.. اعتقاد المسلمين بأن خط النبوة المنطلق من إبراهيم الخليل إلى محمد هو حلقات من سلسة العائلة الإبراهيمية النبوية

امتلكت جميع الأديان تصوراً خاصاً للعالم، رسمت على علائمه خريطة فصلت فيها المقدس والجليل عن المبتذل والعادي، والسماوي عن الأرضي، والشعري الملحمي عن النثري، فرفعت في هذه الثنائية الأول على حساب الثاني، بعد أن أضفت على بعض الأماكن معنى رمزياً كثيفاً مليئاً بالإجلال والقداسة، بحيث يتحول هذا المكان إلى وسيط رمزي يلبي حاجة الجماعة المؤمنة إلى الاتصال بالمتعالي ومعانقته، أو التقرب منه، فتُحول الجماعة المؤمنة –تبعاً لذلك – فضاءها الكوني، المليء بالغموض واللامعقولية، إلى عالم مشبع بالمعاني والمعقولية، يحتل فيه "مكانها المقدس" موقع المركز والقلب لذلك الفضاء الكوني.
لهذا تواجه الجماعات الدينية مشكلات على صعيد العيش المشترك عندما تلتقي على تقديس مكان بعينه (جبل أو مدينة)، وتنشأ المشكلة حينما تسعى كل جماعة، على حدة، على استحواذ هذا المكان، وإقصاء الأطراف الأخرى منه، والمثل الصارخ على ذلك هي علاقة الأديان التوحيدية الثلاثة بمدينة القدس، التي نظرت إليها على أنها قلب جغرافيتها المقدسة، ويمدُّنا الموقف النظري لهذه الأديان من بعضها، وممارستها العملية للسيادة، عندما تكون في موقع المسيطر السياسي على المدينة، بصورة عن موقف كل منها من فكرة العيش المشترك.
فالديانة اليهودية لا تعترف، على الصعيد النظري، بالمصدر السماوي للديانتين المسيحية والإسلامية، بينما تعترف المسيحية بالشرعية السماوية لليهودية، مع التأكيد على انحرافها ومسؤوليتها على صلب المسيح، إلا أنها تنكر على الإسلام شرعيته، ويتميز الإسلام باعترافه المسبق بالديانتين (المسيحية واليهودية) كديانتي وحي، ويوصي بالتعامل مع أصحابهما على أنهما "أهل الكتاب"، ولقد تعامل مع رموزهما الدينية بإجلال ومهابة.
فانطلاقاً من اعتقاد المسلمين بأن خط النبوة المنطلق من إبراهيم الخليل، إلى محمد (ص)، مروراً بموسى واسحق، ويعقوب، وداوود، وسليمان، وعيسى بن مريم، هو حلقات من سلسة العائلة الإبراهيمية النبوية، فقد بجَّلوا جميع الأماكن التي تذكرهم بتلك العائلة المباركة، أو تُقرن بها، ورفعوا من شأن كل الرموز الدالة على الجغرافية المقدسة للديانتين المسيحية، واليهودية، بالمقابل فإن اليهودية لم تعترف بقداسة الجغرافية المقدسة للمسيحية، ناهيك عن الإسلامية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال