ائتلاف الغزل والرثاء في مرثية دريد بن الصمة.. سوداوية تجربة الحبّ وتشاؤميتها عند الشعراء الغزلين

اتّجهت جهود النقاد القدماء إلى الفَصْل بين غرضي الغزل والرّثاء، لاعتقادهم بأنّ تجربة الغزل غير تجربة الرثاء، رغم اعترافهم بسوداوية تجربة الحبّ وتشاؤميتها عند الشعراء الغزلين، ممّا دفع ابن رشيق إلى القول:
وليس من عادة الشعراء أن يقدموا قبل الرثاء نسيبا، كما يصنعون ذلك في المدح والهجاء...

وقال ابن الكلبي: لا أعلم مرثية أوّلها نسيب الاّ قصيدة دريد بن الصمّة:
أرثّ جديدُ الحبل من أم معبد -- بعـاقبة وأخلفــتْ كـلّ موعـد

ونحن نعترض على ما ذهب إليه هذان الناقدان لأسباب، أهمها:

1- إنّ عدم علم ابن الكلبي بوجود نسيب في نماذج الرثاء، ما عدا قصيدة دريد هذه، لا ينهض دليلا على عدم وجود النسيب في نماذج آخر. وهناك اثنتا عشرةَ قصيدة في الرّثاء قد بدأتْ بالنسيب، مما يدل على أن استقراء ابن الكلبي كان ناقصا.

2- إنّ ما انتهى إليه ابن رشيق يدلّ على أنه لم يستطع أن يدرك العلاقة الخفيّة بين الغزل والرثاء. ولو كان الأمر كذلك- وما هو كذلك- لأصبح من العسير أن يلتمس إنسانٌ تفسيراً لوجود النسيب في نماذج الرّثاء، ولأصبحت مقدمة القصيدة منَبتّةً عن موضوعها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال