النص القرائي - مسيرة امرأة - رحمة بورقية - النساء الموظفات في المغرب

يكمن نجاحي المهني في الصورة الإيجابية التي وجدتها في المحيط الذي عشت فيه، والتي حفزتني على الانطلاق قدما إلى الأمام، وأنا مدينة بهذا النجاح لعدة أشخاص وعدة عوامل، فأنا مدينة بنجاحي أولا إلى أبوي، وخاصة أبي الذي كان يردد دائما عدم وجود أي فرق بين البنت والولد، وقد كانت أمنيته أن يرى بناته يواصلن دراستهن إلى أبعد الحدود، كان موقفه هذا محفزا لي بصفتي أكبر بناته، ودفعني كي أكون في مستوى تطلعاته، وأنا مدينة بنجاحي كذلك إلى زوجي الذي لم ينصع لأداء الدور التقليدي لزوج تخدمه زوجته، والذي قبل بمحض إرادته أن يعيش مع امرأة مهنية، مع كل ما يلزم هذا الوضع من اقتسام المهام داخل البيت وتوزيع المسؤوليات في تربية الأطفال، وتدبير الوقت قصد تخصيص جزء منه للبحث والدراسة، يرجع نجاحي إلى مجهوداتي الشخصية وإلى مزاجي الذي يرفض الاستسلام، مما جعل من العمل شغفا بالنسبة لي.

في بداية شبابي، كان علي أن أتخطى أسوار خجلي،  ولم يتيسر لي ذلك عندما توضح لي أن المجتمع والعائلة تلقائيا لا يربيان الفتيان والفتيات بنفس الطريقة، إذ غالبا ما تربى البنات على الحشمة والوقار، وهي سمة حيائهن وتخلقهن، فأصبح التحدي بالنسبة لي هو خرق الحاجز النفسي للصمت وتناول الكلمة في أماكن عمومية ومهنية، غالبا ما تكون ذكورية، وعندما حطمت هذا الحاجز شعرت بحرية، وحريتي المكتسبة هذه هي أبطلت مفعول النظرات المعادية للأنوثة المصوبة نحوي.

لقد تبين لي مع الوقت، أن الحاجز الأساس الذي كان يقف ضد تقدمي كان في ذاتي، وأن التخلص منه أساس أول خطوة لتغيير محيطي الاجتماعي وتغيير صورة المرأة حولي، والإسهام في تغيير نظرة المجتمع للنساء.

إن التحولات المتعلقة بوضعية المرأة هي تحولات لا رجعة فيها، لقد انطلق مسلسل التغيير على مستوى الواقع المعيش للنساء، حيث أصبح حضورهن مكثفا أكثر فأكثر في سوق العمل، مع استثمار مجالات جديدة في هذا الميدان، وأحدث هذا انقلابا في العلاقات بين الجنسين خارج الأسرة وداخلها، كذلك أصبحت النساء المهنيات ينتظمن، حيث خرجت للوجود جمعيات مهنية نسائية عديدة.

ولكن، مع ذلك، لم يسمح بروز النساء في مختلف المجالات المهنية بتعددهن في مناصب المسؤولية والقرار، ويعزى هذا لعدة أسباب، نذكر منها: التنافس حول مناصب (السلطة)، والصعوبة في إرساء ثقافة (الاستحقاق)، بالإضافة إلى الأفكار المسبقة المعششة في العقليات الاجتماعية، والتي تروج صورا سلبية عن النساء، لكن وعي النساء المهنيات يمثل في حد ذاته عنصرا حافزا على التغيير.

رحمة بورقية، عن "النساء الموظفات في المغرب". ص 81 - 83، (بتصرف).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال