حرف الروي في القصيدة الجاهلية.. اختيار الحروف التي يتحقق فيها الوضوح السمعي والراحة في النطق. القوافي المطلقة

حرف الروي في القصيدة الجاهلية:

نظم الشعراء الجاهليون على أكثر حروف المعجم، وبنسب متفاوتة، وان الحروف التي استخدموها جاءت على أنماط مختلفة:
  • حروف أكثروا منها، وهي الدّال، والرّاء والباء، والميم، والسّين.
  • حروف توسّطوا من النظم عليها، وهي الحاء، والعين، والفاء، والقاف، واللام، والنون.
  • حروف جاء نظمهم عليها قليلاً، وهي: الهمزة، والتّاء، والكاف.
  • حروف جاء النظم عليها نادراً، مثل: الزّاي، والجيم، والذّال.
  • حروف لا أعلم أحداً نظم عليها، مثل: الظّاء، والغين، والواو، والضاد، والشين، والظاد، والياء، والثاء.

ونستنتج من ذلك:

1- موسيقى القافية:

إنّ الشّاعر الجاهليّ اهتم بموسيقى القافية اهتماماً عظيماً، من حيث النطق والسمع، وأن الحروف التي لم ترد رويا في الشّعر الجاهليّ هي حروف مستثقلة في القافية من الناحية الصوتية، وهي قواف نفْر، تؤدي إلى ضيق مجال الكلام.

2- اختيار حروف الروي:

إن الشّاعر الجاهليّ اختار حروف الرويّ التي تحقق فيها الوضوح السمعي، والراحة في النطق.
ولا نستطيع أن نتصور مدى الحرج الذي يقع فيه شاعر لو اختار لقصيدته رويا كالصاد، أو الضاد، أو الثاء، أو الظّاد، أو الغين... في وقت كان الشّعر ينشد فيه إنشاداً، ولم يكن يقرأ قراءة.

3- موسيقى القافية:

وفي تجنّب الشّاعر الجاهليّ للحروف المشار إليها ما يدلّ على أنهم كانوا يرون أن للقافية موسيقى خاصة وقيمة صوتية، يجب على الشّاعر أن يضع لها اعتباراً قبل أن يختار الحرف الذي يودّ أن يجعله رويّا لقصيدته، فاختاروا الحروف ذات الوضوحي السمعي، وهي ما تسمى بالأحرف الرنّانه، وهي من أحلى القوافي لسهولة مخارجها، وهي ما تعرف بالقوافي الذلل.

4- القوافي المطلقة:

استخدم الشعراء القوافي المطلقة، لأنها "أوضح في السّمع، وأشدّ أسراً للأذن.
وندرت القوافي المقيّدة في أشعارهم، وأشار الأستاذ إبراهيم أنيس إلى أن هذا الضّرب من القوافي في أشعار الجاهليين أقلّ منه في أشعار العباسيين.

القافية والروي الشعري:

وبعد:
فقد يسأل سائل: هل كان الشّاعر الجاهليّ يتخير قوافيه تخيّراً بحيث تبدو ملائمة للغرض الذي يطرقه؟ أم أنها تولد مع القصيدة بصورة عفوية وتلقائية؟
يثور جدل في هذه القضيّة، مثلما ثار في قضية الأوزان.
فذهب سليمان البستاني إلى الربط بين القافية والغرض الشّعري، وقال: "إنّ القاف تجود في الشدة والحرب، والدّال في الفخر والحماسة، والميم واللام في الوصف والخبر، والباء والراء في الغزل والنسيب".

حروف الروي:

ولاحظ محمد النويهي كثرة ورود حرف العين رويّا لقصائد الرّثاء، وعزا ذلك إلى ما في جرس العين من مرارة وتعبير عن الوجع والجزع.
ولاحظ ورود حرف السّين رويّا لقصائد كثيرة عاطفتها الأساسية الأسف والأسى والحسرة.
ولا نشك في أن ارتباط القافية بمعنى معيّن سيؤدي إلى التكرار، وإذا كان للحرف دلالة معينة فإن هذا شيء، ووضعه حرف رويّ شيء آخر.
وإذا ألحّ شاعر أو أكثر على رويّ واحد، في موضوع معيّن، فلا تخرج المسالة عن كونها غير مقصودة، لأن القصيدة - كما قلنا - تولد بوزنها، وقافيتها، وتجربتها في آن واحد.

مطلع القصيدة

إنّ مطلع أيّة قصيدة حين يولد بعد معاناة تجربة، هو الذي يقرّر نوع البحر، ونوع القافية، سواء أكانت مطلقة أم مقيّدة.
والمطلع المصرّع، وغير المصرّع، يُعدّ في مثل هذه الحالة مفتاح التجربة الشّعرية، والبيت الرائد في القصيدة، إذ يؤدي إلى نضجها واكتمالها، فهو الشكل الأصلي، وهو الأساس في بناء القصيدة، حيث يقود إلى اكتمالها، وإن تعدّدت أغراضها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال