رجاء الصانع - بنات الرياض بين الزهور والأشواك.. الخروج على البناء التقليدي للعنوان الذي يختزل الدلالة الكلية للنص

  بنات الرياض عنوان رواية تحمل توقيع رجاء الصانع، مبدعة سعودية.. وهي الرواية الأكثر مبيعا في المكتبات لعام 2006م وقد قدم لهذه الرواية الأستاذ غازي القصيبي بقوله:
"في عملها الروائي الأول تقدم رجاء الصانع على مغامرة كبري، تزيح الستار العميق الذي يختفي خلفه عالم الفتيات في الرياض وعندما ينزاح الستار يتجلي أمامنا المشهد بكل ما فيه من أشياء كثيرة مضحكة ومبكية.بكل التفاصيل التي لا يعرفها مخلوق خارج هذا العالم الساحر المسحور.."
قدمت رجاء الصانع عملا روائيا جديدا في مضمونه علي مجتمعه، وجديدا في تقنياته الأسلوبية حيث استخدمت اللغة في تنويعات تبدو غير مسبوقة.
 "بنات الرياض" يذكرني هذا العنوان بعنوان رواية أخري للروائي الكبير أدوار الخراط "يا بنات إسكندرية" ويذكرني بلوحة الفنان التشكيلي المصري "محمود سعيد" التي تحمل عنوان "بنات بحري".عن البنات في هذا المجتمع السعودي تنسج رجاء الصانع خيوطا حريرية لا تري ولكنها ترسم بها لوحات متعددة وصور متباينة.
تدور أحداث هذه الرواية حول فتاة مجهولة ترسل نهار كل جمعة "إيميلا" إلي معظم مستخدمي الانترنت تفشي فيه أسرار صديقاتها.. كل أسبوع تطل هذه الفتاة بتطورات وأحداث جعلت الناس ينتظرون ما ترسله.. وأيا تكن النتيجة فإن هذه الرسائل الغريبة قد قامت بخلق ثورة داخل المجتمع أنها فكرة ستظل مادة خصبة للحوار مدة طويلة.هذا عن مضمون الرواية.
هناك مغامرة أخري قامت بها "رجاء الصانع" وهي مغامرة تخص اللغة التي استخدمتها في تشكيل بناء الرواية.مغامرة لا تقل عن تلك التي خاضتها في البحث عن مضمون مغاير وسأحاول في هذه الوريقات القليلة أن ألقي الضوء عن سمات اللغة الخاصة التي استخدمتها رجاء الصانع في روايتها لتنتج نصا إبداعيا شديد الخصوصية ومن هذه الخصوصية تستمد تفردها. فعن طريق النصوص الأدبية التي تعد مظهرا أساسيا من عناصر الكلام يتطور اللسان وأقصد به هذه اللغة المعيارية التي تتمثل في قواعد اللغة وقوانينها التي تمتلكها الجماعة ومن هنا فالكلام – أعني النصوص – تضفي علي اللسان حيوية وتطورا وخصوصا إذا كانت نصوصا غنية تسهم في إثراء اللسان بتراكيب جديدة وصيغ مغايرة وطرق غير مألوفة في تناول اللغة.
  أسلوب الكاتب هو طريقته في الإبداع تعيش الشخصية المبدعة صراعا طويلا حتى تصل لطريقة تميزها.تبقي في جدل كبير بينها وبين اللغة حتى تقف علي جسر لم يقف عليه أحد قبلها.تبدع منها خطابا مختلفا يتآلف فيه الواقع مع الفن فنجد أنفسنا بصدد عمل يميزه أسلوب له بصمته.
عن بنات الرياض تدور أحداث هذه الرواية، وهن مجاز لكل بنات "نجد" أما بالنسبة للعناوين الخاصة بفصول الرواية الخمسين فقد غلبت عليها الجملة الاسمية لما تحمل من ثبات في الدلالة. وفي العناوين الفرعية تستخدم رجاء الصانع الجملة الاسمية أيضا،ولكن تتنوع العناوين بين الطول والقصر والتركيب البسيط والتركيب المتداخل والتركيب ذات اللهجة العامية أيضا ومن أمثلة عناوين الفصول:
- كنز في قصيدة.
- فراش الرجل شبه الكامل.
- الدلو..الدلو..الدلو
- الصبر مفتاح الزواج.
- لميس تتزوج الحب الأول في حياتها.
- أنا لميس والأجر علي الله.
- الذي لا يعجبه العجب.
- ألبي..ألبي.
   عناوين كثيرة ومنها من جاء شبه جملة مثل:بين النجوم..فوق السحاب. ومنها من جاء تركيبا موصوفا مثل الطائر المهاجر ،فاطمة الشيعية ومرة واحدة جاء في جملة فعلية وهو عنوان الفصل الأول : سأكتب عن صديقاتي.
  وشغلت بنية الاستفهام عناوين ثلاثية فصول هي :
- ماذا فعل التنبل بقمرة في تلك الليلة؟
- هل هذا هو الاستقرار العاطفي؟
- هل أحبها ماتي وهل أحبته؟
لقد خرجت رجاء الصانع على البناء التقليدي للعنوان الذي يختزل الدلالة الكلية للنص. ربما لتكون عناوينها المبسطة التي لا تحتمل التأويل والتقدير ليفهمها المتلقي العادي الذي ترسل إليه الإيميلات..
كل هذا لا يعني أنها قد تخلت عن العنوان الجمالي لا فهناك بعض العناوين التي تشير إلي تناص خاص يجمعها وأعمال أدبية أخري مثل:
- الطائر المهاجر.
- اليوم عاد.
- رسالة إلي فاء.
إن اختيار رجاء الصانع لعناوين فصولها يعد مغامرة لا تنسى إذ تستخدم مفردات خاصة بالنت وعالم التشات مثل :
- سلطان الانترني.
- عالم التشات عالم آخر.
يشكل كل فصل من فصول الرواية إيميلا خاصا. يبدأ بتقنيات الكتابة الإلكترونية.
تفتتح رجاء الصانع فصولها بمجموعة من النصوص تتنوع فنجد الافتتاح بآيات القرآن الكريم سبع مرات وبأحاديث شريفة أربع مرات قامت فيها بذكر السند كاملا وتخريج الحديث كذلك ومرة بدأت بدعاء لكشف الألم وأربع عشرة مرة بأشعار عربية ومرات بنصوص نثرية متنوعة ومرات أخري بنصوص مترجمة. أفكار وثقافات وتاريخ وحضارات تفتتح بها رجاء الصانع فصول روايتها، لكي يكون مضمون هذه النصوص مفتاحا لفهم الرواية بل أنني أكاد أجزم أن هذه النصوص قد حملت دلالة الفصل الكلية فكانت بمثابة تمهيد للقارئ كي يبدأ محملا بفكرة كلية قد تصدق أو لا تصدق بعد قراءته للفصل ومن أمثلة هذه المفتتحات مقولة للمثقف العربي الأستاذ غازي القصيبي "لا أدعي أني قلت هنا الحقيقة كاملة،ولكني أرجو أن كل ما قلته هنا حقيقة." 
تتقاطع النصوص، تختلط الأفكار نسمع أصوات وحكايات نقرأ أشعارا نتمثل أخبارا في رواية بنات الرياض فهنا "فرجة" من النصوص ستجد فيها اقتباسات كثيرة.
  تتعدد اللهجات التي تستخدمها المبدعة السعودية في روايتها فنجد اللهجة السعودية واللهجة العامية المصرية وبعض لهجات بلدان الخليج العربي كذلك إضافة للغة الإنجليزية ولكنها مكتوبة بالحروف العربية.وتتداخل مع كل ما سبق اللهجة اللبنانية. نلحظ مما سبق تنوع النصوص المكتوبة فهناك نصوص فصيحة وكلام بلغة بسيطة ومصطلحات للانترنت ولهجات محلية وأخري إقليمية إضافة إلي بعض اللغات الأجنبية المكتوبة بحروف عربية ومن أمثلة استخدامها للعامية المصرية قولها :"فينك يا يوسف يا وهبي تيجي تشوف اللي بيحصل حركة أو لازمة (ألبي..ألبي) التي ابتدعتها لتضحكنا أصبحت من الخدع الأكثر انتشارا.
  وفي وقفتنا الأخيرة مع هذه الرواية التي أثارت كثيرا من الجدل نتوقف مع أسماء الأعلام فقد اختارت أسماء الهمزات الأربعة محور الرواية وهن:
(قمرة) بما توحي من رومانسية وضوء شفيف ينير حياة الآخرين رغم ذلك جاءت دلالة الاسم مغايرة في الرواية.
(مشاعل) أو كما ينادونها(ميشيل) كان اسمها معبرا فعلا عن دورها في الرواية فهي التي تضيء حياة الصديقات علما وتنويرا وإن كان يدل كذلك على زحف علامات الحضارة الغربية على مفردات التعامل الإنساني في الشرق.
(سديم) اسم يحمل دلالة تتضمن معني الحزن والألم واستمرار دورة الشجن والمعاناة في عالم المرأة وقد جاء اسمها موحيا وكاشفا عما سيحدث لها في المستقبل.
(لميس) الصديقة الرابعة فقد وظفت الكاتبة اسمها ليقوم بدور الصديقة المساعدة التي يلتمسن عندها الأخبار والطرف وأحوال الطقس والنجوم والأبراج.
وبعد أن تجولت هذه الوريقات مع رجاء الصانع علي أرض الرياض وجدة والقصيم والخبر وبريدة ولندن وأمريكا ولكني لم أجدها معي بل حاولت الاختفاء دون أن يكون لها مرجعية في الرواية.
أ. د. فاطمة الصعيدي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال