مفهوم الصعلكة في الشعر.. محاولة الصعلوك التغلب على الفقر، الذي فرضته عليه أوضاع اجتماعية أو ظروف اقتصادية والخروج من نطاقه ليتساوى مع أفراد مجتمعه

تدور كلمة "الصعلكة" في دائرتين: دائرة لغوية، ودائرة اجتماعية.
وتبدأ الدائرتان من نقطة واحدة وهي الفقر.

فأما الدائرة اللغوية فتنتهي حيث بدأت، ويبدأ الصعلوك فيها فقيراً، ويظلّ في نطاقها فقيراً، يخدم الأغنياء، أو يستجديهم فضل مالهم، ثم يموت فقيراً.

فالصعلوك في الدائرة اللغوية، هو الفقير، الذي لا مال له، وقد تصعلك الرجل، إذا كان كذلك، كما يقول حاتم الطائي:
عُنينا زماناً بالتصعلك والغنى -- فكلاّ سقانا بكأسيهما الدهر

أما الدائرة الاجتماعية فتّتسع، وتبعد عن نقطة البدء... يبدأ الصعلوك فيها فقيراً، ثم يحاول أن يتغلب على الفقر، الذي فرضته عليه أوضاع اجتماعية، أو ظروف اقتصادية، وأن يخرج من نطاقه ليتساوى مع أفراد مجتمعه.

ولكنه من أجل هذه الغاية- لا يسلك السبيل التعاوني، وإنّما يدفعه "لا توافقه الاجتماعي" إلى سلوك سبيل الصّراع، فيتخذ من "الغزو، والإغارة، والسّلب، والنهب" وسيلة يشقّ بها طريقه في الحياة، فيصطدم بمجتمعه، وتتقطع الصّلة بين المجتمع والصعلوك، فيتخلى مجتمعه عنه، ويُسقط عنه جنسيته القبلية، ويعيش الصعلوك خليعاً مشرداً، أو طريداً متمرداً، حتى يلقى مصرعه.

فأما أعداؤه فقد استراحوا من هذا الفزع الذي كانوا يترقبونه في كل حين، كما يترقب غائباً أهلُه.
وقد أشار عروة بن الورد إلى ذلك، في قوله: 
إذا بعدوا لا يأمنون اقترابه -- تشوّف أهل الغائِب المنتظّـر
فذلك إن يلق المنيّة يلْقهـا -- حميداً وان يستغن يوماً فأجبرِ

والصعلوك الذي يمثل هذه الدائرة هو الصعلوك العامل الذي يمدحه الشعراء.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال