الإنسانية في أدب الصعاليك.. العجز عن إدراك الغنى بالوسائل المشروعة لأن أغلبهم كانوا من العبيد أو من أولاد الإماء الحبشيات السود خاصة مثل السليك بن السلكة وتأبط شرّاً

الإنسانية في أدب الصعاليك:

أول ما يطالعنا من أدب الصعاليك موضوعيته الإنسانية، فقد كان أدبهم صورة قوية معبرة عن المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه، والذي كانت طبقاته تتفاوت تفاوتاً بيّناً، فكان شعرهم سلاحاً من أسلحة الصراع الطبقي، الذي كان يدور في تلك البيئة، وتنفعل به نفوسهم التي تقطر مرارة وأسى على واقعها الأليم الذي تعيش فيه.

فقر ونقمة على المجتمع:

لقد كان الصعاليك فقراء، ولكنهم لم يكونوا عاجزين عن إدراك الغنى بالوسائل المشروعة، بيد أنّ مجتمعهم كان ظالماً لهم، فلم يهيّئ لهم سبل العيش الكريم، فشعروا بذلة الفقر شعوراً حاداً، ونقموا على المجتمع الظالم، وكانت ثورتهم اجتماعية، ينشدون من ورائها عدالة المجتمع في النظر إليهم كطائفة من الآدميين لها حقوقها الإنسانية.

عبودية وعنصرية:

ولعل السبب في ذلك أن غالبية الصعاليك كانوا من العبيد، أو من أولاد الإماء الحبشيات السود خاصة، مثل السليك بن السلكة، وتأبط شرّاً، وغيرهما من الذين قسا عليهم مجتمعهم، فنبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بهم.
وقد كان اللون الأسود عنصراً موجوداً في بعضهم، ليذكر أًصحابه بعبوديتهم، فيجتمع الإحساس الحاد بذلّ الرق الى الشعور العنيف بالفقر، ويشتد الإغراق في تصور ظلم المجتمع لهذه الطائفة.

الشنفرى الأزدي:

فقد نشأ الشنفرى الأزدي مثلاً في بني سلامان بن مفرج حتى صار واحداً منهم، بل اتخذه أحد رجال القبيلة ابناً له، وفي يوم من الأيام، قال الشنفرى لابنة هذا الرجل، التي تولد الإحساس في نفسه بأنها أخت له "اغسلي رأسي يا أخَيّة" فثارت فيها عصبية الدم، وأنكرت عليه أن يكون أخاً لها، فلطمته على وجهه.
وكانت هذه اللطمة بمثابة الارتداد العنيف للماضي بكل أوضاره، بل انها جعلته يصحو من غفوة لذيذة، ليشعر فجأة بذلّ مولده، وهوان وضعه الاجتماعي. بل حاول أن يردّ لنفسه بعض اعتبارها بمحاولة إقناعها بأنه لا يقل عن تلك الفتاة سمّوا في النسب من ناحية أبيه، أو من ناحية أمّه.

ابنة الأحرار:

ونلاحظ أنه يطلق على أمه اسم "ابنة الأحرار" مع العلم بأنها أَمَة، فيقول:
ألا ليت شعري والتلّهـف ضلّـة بما
ضربت كفّ الفتاة هجينها
ولو علمت قعسوس أنساب والدي
ووالدها ظلت  تقاصر دونهـا
أنا ابن خيار الحجر بيتا ومنصبا
وأمّي ابنة الأحرار لو تعرفينها
وأبيات الشنفرى تلك هي مجرد محاولة لإقناع النفس بسموّ المنبت على الرغم من هوان المنزلة الاجتماعية.

السُّليك بن السُّلكة:

ولعلّ السُّليك بن السُّلكة قد عبّر لنا عن تلك الحالة حين صوّر موقف فتاة كانت قد أعرضت عنه لما رأت من سواد بشرته، ولما علمت من ضآلة نسبه، وتخلّي قومه عنه، وَرَنَتْ ببصرها إلى فتيان يزهون بجمالهم ونسبهم العريق، وتناست ما له من قوة وشجاعة تفوقان ما عند الآخرين، فيقول:
ألا عتبتْ عليّ فصارمتني
وأعجبها  ذوو اللّمم الطّوالِ
فاني يا ابنة الأقوام أُربي
على فعل الوضيّ  من الرّجالِ
فلا تصلي بصعلوك  نؤوم
إذا أمسى يُعـدّ  مـع العيـالِ
ولكنْ كلُّ صعلوكٍ ضَروب
بنصل السيف هامات الرّجـالِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال