الصوفية في القدس العثمانية.. تكاثر زوايا الصوفية التي جمعت أغلب الطرق الصوفية من البدوية، والكيلانية، والسعدية، والرفاعية، والمولوية

استمر الحضور الصوفي في القدس العثمانية بكثافة، وتكاثرت معه الزوايا، وقد أقام لهم محمد آغا باشا زاوية للصوفية حملت اسمه، مؤلفة من قاعة تدريس وغرفة للطعام، وثلاث غرف للمنامة، وذلك في العام 1588م، كما أقام أصحاب الطريقة المولوية، في أزميت، جامع المولوية، للصلاة ولممارسة الطقوس الصوفية في داخله.
وفي عهد محمد الرابع (ت 1648م)، بلغ عدد سكان القدس الأربعين ألفاً، كان فيها أربعون محراباً للصلاة، وسبع دور حديث، وعشر دور للقرآن، وأربعون مدرسة للبنين، وستة حمامات، وثمانية عشر سبيلاً، وتجمع في قلبها وحول الحرم الشريف زوايا الصوفية، حيث جمعت أغلب الطرق الصوفية من البدوية، والكيلانية، والسعدية، والرفاعية، والمولوية.
وعمد العثمانيون إلى تجديد الكثير من زوايا الصوفية وتكاياهم، ورمموا الأخرى، فكثرت الزوايا والتكايا، التي أعدَّت لحلقات الدراويش من مختلف الطرق الصوفية، ولاستقبال الزوار الغرباء أصحاب تلك الطرق، وتُعد الزاوية "المجيدية" التي قامت عام 1849م، من أكبر تلك الزوايا، وأكثرها ازدحاماً، ومنح العثمانيون امتيازات للراغبين في الذهاب إلى القدس من العلماء، والصوفية، والراغبين في التدريس في زواياها ومدارسها، ولقد تم تخصيص العلماء المكلفين بإدارة الزوايا السلطانية بجرايات شهرية، كما سُمح لأصحاب الطرق الصوفية ودعاتها بجمع التبرعات وإرسالها إلى القدس، أو مكة، أو المدينة.
ذكر الرحالة التركي أوليا شلبي (ت 1679م) أنه عند زيارته للقدس، وجد فيها عدداً كبيراً من الأعيان والعلماء والأشراف والفضلاء، والرجال الذين ينتمون إلى الطريقة الصوفية المولوية، ويتقاضى الواحد منهم راتباً قدره خمسمائة أقجة، وأحصى في هذه الأثناء، حاكم القدس جاويش زاده محمد باشا أي في عام 1670م، فوجد فيها مئتين وأربعين محراباً، وسبع دور حديث، وعشر دور للقرآن، وأربعين مدرسة لللبنين، أما التكايا والزوايا الصوفية فقد أحصى فيها سبعين طريقة صوفية، بما فيها الطريقة: الكيلانية، والسعدية، والرفاعية، والمولوية.
لم يتوقف المغاربة، والصوفية، عن زيارة القدس والتبرك بها، فقدم إليها الشيخ الصوفي عبد الغني النابلسي عام 1690م، وكتب حول زيارته كتاباً يحمل دلالة خاصة "الحضرة الإنسية في الرحلة القدسية" ذكر فيه أنه التقى في زاوية الشيخ الجراح، في المدرسة الجراحية، بجماعة من المشايخ والأعيان، كما قام الصوفي مصطفى أسعد اللقيمي برحلته إلى القدس عام 1765م، وسمَّى رحلته هذه "موانح الأنس برحلتي لوادي القدس"، انتظم عند إقامته في القدس، في عداد الطريقة الخلوتية (الصوفية).
يذكر نجم الدين الغزي (ت 1651م) صاحب "الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة"، أن عدد العلماء في القرن 16 الميلادي، هو واحد وستون عالماً في فلسطين، تستأثر القدس بنصف عددهم، ويذكر محمد أمين المحبي في "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" 17م، أن عدد علماء فلسطين سبعة وستون عالماً، تستأثر القدس بأكثرهم من نصف عددهم، يكثر فيها من ينتسب إلى حلقات التصوف، ويلاحظ في القرن الثامن عشر، تكاثر أعداد المتصوفة في القدس، وتوزعهم في الغالب، على الطريقة الشاذلية والخلوتية، وكان أغلبهم منقطعين إلى العبادة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال