القدس في مفهوم الجغرافية المقدسة.. إنكار اليهودية الطابع المقدس للأماكن المقدسة للديانتين الإسلامية والمسيحية في القدس

إن مفهوم الجغرافية المقدسة يزداد ضيقاً عن استيعاب رموز القداسة عند الديانات الأخرى واحترامها، كلما انتقلنا من الإسلام، إلى المسيحية وصولاً لليهودية، ويتسع طرداً ليشمل رموز القداسة عند الديانتين الأخريين، كلما انتقلنا من اليهودية إلى المسيحية، وصولاً إلى الإسلام.
فاليهودية تنكر الطابع المقدس للأماكن المقدسة للديانتين الإسلامية، والمسيحية في القدس، في حين أن المسيحية تقتصر على دمج بعض الأماكن المقدسة اليهودية في مجالها المقدسي وحسب، بينما نجد الإسلام، الذي اعترف بتعدد تجليات الوحي وبأنبياء الديانتين الأخريين، فإنه شارك الأديان التوحيدية (أهل الكتاب) مباركتهم رموزهم المقدسة في القدس، وبجّلها.
انعكست تلك المواقف "النظرية" على الممارسة العملية، وظهرت تبايناتها في الطريقة التي مارس فيها كل من أصحاب تلك الأديان سلطته على القدس وعلى أماكنها المقدسة وعلى أصحابها، عندما كان في موقع السيادة.
حرَّم الرومان منذ تيطس عام 70م على اليهود دخول القدس وهدّموا هيكلهم ثم أتى هادوريان عام 136م فأكد هذا الحرمان، وأكدت السلطات المسيحية أيضاً هذا الحرمان، في زمن قسطنطين في القرن الرابع، واستمر هذا الحال حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع، أما التجربة المسيحية الغربية الأخرى، كما جسدها الصليبيون، الذين افتتحوا ممارستهم نحو العلاقة بالآخر، بقتل جميع المسلمين واليهود عند دخولهم القدس، فقد تجلّت بأن حرموا على المسلمين واليهود دخول المدينة المقدسة، وطمسوا المعالم الإسلامية، وحولوا المسجد الأقصى، ومسجد القبة إلى كنائس، ومكان لقيادة الداوية، وإسطبلا لخيولهم، فجسدت المسيحية الغربية في المرتين موقفاً إقصائياً نافياً للآخر، ولمفهوم العيش المشترك.
أما التجربة اليهودية، فقد جسدتها سياسة الاحتلال الصهيوني للقدس، حيث أعلنت على الملأ، ومارست على الأرض، سياسة تهويد للمدينة المقدسة، وطمس للمعالم المقدسة الإسلامية، وهجرَّ سكانها العرب، مسلمين، ومسيحيين، غير آبهة بقيم العصر، ولا بكثافة الوجود العربي المحيط بها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال