مظاهر الصبر في شعر الصعاليك.. السير في طريق المقاومة والتحدي. التسامي على مطالب الجسد. مواجهة مظاهر الطبيعة. مصاولة الحياة البشرية

تتخذ ظاهرة الصبر عند الصعاليك أنماطاً متعددة: منها ما يسير في طريق المقاومة والتحدي، ومنها ما يتسامى على مطالب الجسد، ومنها ما يتعلق بمواجهة مظاهر الطبيعة، ومنها ما يتصل بمصاولة الحياة البشرية.

يقول الشنفرى:
فاما تريني كابنة الرمل ضاحيا -- على رقّة أحفـى ولا أتنـعّلُ
ويومٍ من الشّعرى يـذوبُ لعابُه -- أفاعيـه في رمضائـه تتململُ
نصبتُ له وجهي ولاكـنّ دونه -- ولا سِتْرَ الاّ الأتحميَّ المُرَعْبَلُ

فليس في هذا الموقف ما يشير إلى الإذعان، أو الهروب من الواقع، لكنه يحمل ميزة التجدد في إظهار المقاومة الجسدية، والحركة الفاعلة، وبخاصة في مواجهة المظاهر الطبيعية.

والشاعر في كثير من مواقفه لا يتحول عن التركيز على صبره، الذي قد يصل إلى حدّ الانهيار الجسدي، كما في قوله:
أُديمُ مِطـالَ الجـوع حـتى أُميتَـهُ -- وأضربُ عنه الذكْرَ صَفحا فأذهـلُ
وأستفّ تُرْبَ الأرض  كيلا  يرى له -- عليّ من الطـوْلِ امـرؤ متفضّـل
ولولا اجتنابُ الذام لم يُلـفَ مشربٌ -- يُعـاشُ بــه الاّ لــديّ ومأكـل
ولكـن نفساً حـرّة لا تقيـم  بـي --على الضّيـم الاّ ريثمـا أتحــوّلّ

ويتحدث السليك عن أثر الجوع في جسمه، في أشهر الصيف المحرقة، وما كان يصيبه من اغماء ودوار، لقد اوشك الجوع ان يودي بحياته فيقول:
وحتى رأيت الجوع بالصّيف ضَرّني -- إذا قمتُ تغشاني ظلالٌ فأسدِفُ

وهذا تأبط شرّاً يبلغه أن شخصاً، ينتحل اسم (تأبط شرّاً)، لعله يقع في نفس من أراد موقع صاحب الاسم الصحيح، فيخبره تأبط شراً بأنه لم ينتحل الاّ اللفظ والشكل، أما الروح فليس يقوى عليها، فقيمة الاسم بقيمة ما يوقظه من آثار نفسية، ويعبر عن هذا بقوله:
ألا هل أتى الحسناءَ أنّ حليلهـا -- تأبـطّ شـرّاً واكتنـيتَ أبـا لهبِ
فهبْه تسمّى اسمي وسُمّيتُ باسمه -- فأيْـن له صبري على معظم النّوبِ
وأَيْنَ له بأسٌ كبأسي وسـوْرتي -- فأيْـن لهَ في كلّ فادحـةٍ  قـلبـي

ويصف قيسُ بنُ الحدّادية في موقف كهذا صبره الذي أدهش محبوبته، قائلاً:
فما زلت تحت السَّتْر حتى كأنّني -- من الحرّ ذو طمّريْن في البحر كارعُ
فهزّت الي الرأسّ مني تعجبّــا -- وعضّض ممّا قدْ فعلـتُ  الأصـابع
أحدث أقدم

نموذج الاتصال