لا يُعدُّ ارتفاع المستوى العام للأسعار المطرد، وهو ما يعرف في علم الاقتصاد بالتضخم النقدي، أمراً طارئاً على الأوراق النقدية، بل إن الدراسات في الأدب الاقتصادي وتأريخ النقود تبين أن التضخم النقدي قديم قدم النقد.
فأقدم ما وقفت عليه من حوادث التضخم النقدي ما حدث بين عامي 866-868 قبل الهجرة، الموافق 218- 220 قبل الميلاد بسبب الحرب بين روما وقرطاجنة حيث احتاج الرومان إلى عدد كبير من العملة لسدِّ تكاليف الحرب، فعمدوا إلى تخفيض نقاء عملتهم المعدنية ووزنها فأفضى ذلك إلى التضخم. وقد تكرر حدوث التضخم النقدي في اقتصاديات الدول على مر العصور في التأريخ القديم والحديث وغالب ذلك في النقود المعدنية.
أما الأوراق النقدية فقد طرأ عليها التضخم منذ أول استعمال لها. فإن أول استعمال لها كان في بلاد الصين في أوائل القرن الثاني الهجري والتاسع الميلادي ثم شاع استعمالها في القرن الثالث الهجري والعاشر الميلادي. ومع تزايد إصدار الأوراق النقدية نشأ التضخم في ذلك القرن، وتوالت حالات التضخم النقدي في القرن الرابع الهجري والحادي عشر الميلادي وكذا الخامس الهجري والثاني عشر الميلادي، واستمر الاقتصاد الصيني يعاني من هذه الحالات التضخمية المفرطة إلى أن ألغت الحكومة التعامل بالأوراق النقدية. وقامت بجمعها من الناس في إطار الإصلاحات الاقتصادية في أوائل القرن التاسع الهجري ومنتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وبهذا طويت أول صفحات تأريخ استعمال الأوراق نقوداً. لكن هذا الإلغاء لم يقضِ على التضخم، بل طرأ التضخم في القرن العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي في أوربا على النقود المعدنية بسبب الاستعمار الأسباني لأجزاء من القارة الأمريكية ولزيادة أعداد الناس. وكذلك حدث تضخم النقود المعدنية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجري الموافقين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي في العديد من الدول.
أما الأوراق النقدية فإنها قد عادت إلى الظهور مجدداً منتصف القرن السابع عشر الميلادي في أوربا، وشاع استعمالها حتى أصبح الورق النقدي أكثر أنواع النقود استعمالاً. وقد حدث التضخم فيها كغيرها من أنواع النقود، إلا أن أشد ذلك التضخم المفرط الذي عانت منه ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى عام 1341هـ، الموافق 1923م. وكذلك ما تعرض له الاقتصاد في بعض بلدان أوربا الشرقية ما بين عامي 1364- 1365هـ، الموافق 1944- 1946م. ومن ذلك أيضاً التضخم النقدي الذي حدث في يوغسلافيا عام 1410هـ، الموافق 1990م بعد انهيار الشيوعية في أوربا.
ومما تجدر الإشارة إليه في تأريخ التضخم النقدي أن غلاء الأسعار تكرر وقوعه في تأريخ الأمة الإسلامية على مر العصور كما ذكر ذلك المؤرخون. لكن لما لم يكن كل ارتفاع للأسعار يوصف بأنه تضخم فإنه لا يمكن ضم كل ذلك في تأريخ التضخم النقدي، لا سيما وأن من تلك الارتفاعات في الأسعار ما كان مرتبطاً بأسباب وقتية من قحط أو نقص طارىء في المحاصيل أو ما أشبه ذلك من العوامل المؤقتة التي يخرج بها ارتفاع المستوى العام للأسعار عن كونه تضخماً نقدياً. ومن ذلك غلاء السعر في عهد رسول الله (ص) في السنة الثامنة من الهجرة، فإن سببه أن المطر قَحَطَ وانحبس، فقد روى أنس بن مالك (ض) (أن المطر قَحَطَ على عهد رسول الله (ص) بالمدينة حتى غلا السعر، وخشوا الهلاك على الأموال، وخشينا الهلاك على أنفسنا. فقلنا: ادع ربك أن يسقينا. فرفع رسول الله (ص) يديه إلى السماء، ولا والله ما نرى في السماء بيضاء، ولا والله ما قبض يده حتى رأيت السماء تشقق من هاهنا وهاهنا، حتى رأيت ركاماً، فصب سبع ليال وأيامهن من الجمعة إلى الجمعة الأخرى، والسماء تسكب). ومثل هذا الارتفاع في الأسعار لا يوصف بأنه ارتفاع تضخمي في اصطلاح الاقتصاديين؛ لأنه إنما يوصف الارتفاع في الأسعار بأنه ارتفاع تضخمي إذا كان ارتفاعاً تصاعدياً مستمراً لا يرتبط بأسباب وقتية، كما تقدم في تعريف التضخم النقدي.
ومما يمكن نظمه في تأريخ التضخم النقدي ما جرى في سنة 794هـ والسنوات التالية لها حيث زاد ضرب الفلوس المملوكية مما أدى إلى انخفاض قوتها التبادلية الشرائية للنقود. واستمر ذلك إلى آخر عصر المماليك في القرن العاشر. وكذلك ما جرى في عام 1215هـ في البلاد المصرية حيث (غلت أسعار جميع الأصناف، وانتهى سعر كل شيء إلى عشرة أمثاله وزيادة على ذلك). واستمر ذلك وكثر ضرب الريالات المغشوشة، فاضطربت معاملات الناس وأسعار الأشياء. وهاتان حادثتان يمكن وصفهما بأنهما من حالات التضخم النقدي.
ومما تقدم يتبين بجلاء أن التضخم النقدي ليس أمراً حديثاً لم تعرفه الاقتصاديات القديمة، بل له جذوره التأريخية القديمة التي اتضحت من خلال تأريخ تطور الوقائع الاقتصادية غير أن تصاعد الاهتمام بقضية التضخم النقدي (بدأ يتجلى بشكل ملحوظ على صعيد الفكر الاقتصادي، وكذا على ساحة الدراسات الاقتصادية التطبيقية منذ الحرب العالمية).
(والواقع أن تزايد الاهتمام بقضية التضخم لم يأت كنتيجة للتطور التلقائي للعلوم الاقتصادية. ولكنه يرجع إلى تغيرات أساسية حدثت على صعيد الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي منذ الثلاثينات من القرن الحالي)، هي في جملتها من تأثيرات التضخم النقدي وانعكاساته. ومن أبرز ذلك التطور الذي شهده النظام النقدي وشيوع النقود الائتمانية التي هي أكثر أنواع النقود عرضة للتقلبات والتغيرات.
فأقدم ما وقفت عليه من حوادث التضخم النقدي ما حدث بين عامي 866-868 قبل الهجرة، الموافق 218- 220 قبل الميلاد بسبب الحرب بين روما وقرطاجنة حيث احتاج الرومان إلى عدد كبير من العملة لسدِّ تكاليف الحرب، فعمدوا إلى تخفيض نقاء عملتهم المعدنية ووزنها فأفضى ذلك إلى التضخم. وقد تكرر حدوث التضخم النقدي في اقتصاديات الدول على مر العصور في التأريخ القديم والحديث وغالب ذلك في النقود المعدنية.
أما الأوراق النقدية فقد طرأ عليها التضخم منذ أول استعمال لها. فإن أول استعمال لها كان في بلاد الصين في أوائل القرن الثاني الهجري والتاسع الميلادي ثم شاع استعمالها في القرن الثالث الهجري والعاشر الميلادي. ومع تزايد إصدار الأوراق النقدية نشأ التضخم في ذلك القرن، وتوالت حالات التضخم النقدي في القرن الرابع الهجري والحادي عشر الميلادي وكذا الخامس الهجري والثاني عشر الميلادي، واستمر الاقتصاد الصيني يعاني من هذه الحالات التضخمية المفرطة إلى أن ألغت الحكومة التعامل بالأوراق النقدية. وقامت بجمعها من الناس في إطار الإصلاحات الاقتصادية في أوائل القرن التاسع الهجري ومنتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وبهذا طويت أول صفحات تأريخ استعمال الأوراق نقوداً. لكن هذا الإلغاء لم يقضِ على التضخم، بل طرأ التضخم في القرن العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي في أوربا على النقود المعدنية بسبب الاستعمار الأسباني لأجزاء من القارة الأمريكية ولزيادة أعداد الناس. وكذلك حدث تضخم النقود المعدنية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجري الموافقين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي في العديد من الدول.
أما الأوراق النقدية فإنها قد عادت إلى الظهور مجدداً منتصف القرن السابع عشر الميلادي في أوربا، وشاع استعمالها حتى أصبح الورق النقدي أكثر أنواع النقود استعمالاً. وقد حدث التضخم فيها كغيرها من أنواع النقود، إلا أن أشد ذلك التضخم المفرط الذي عانت منه ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى عام 1341هـ، الموافق 1923م. وكذلك ما تعرض له الاقتصاد في بعض بلدان أوربا الشرقية ما بين عامي 1364- 1365هـ، الموافق 1944- 1946م. ومن ذلك أيضاً التضخم النقدي الذي حدث في يوغسلافيا عام 1410هـ، الموافق 1990م بعد انهيار الشيوعية في أوربا.
ومما تجدر الإشارة إليه في تأريخ التضخم النقدي أن غلاء الأسعار تكرر وقوعه في تأريخ الأمة الإسلامية على مر العصور كما ذكر ذلك المؤرخون. لكن لما لم يكن كل ارتفاع للأسعار يوصف بأنه تضخم فإنه لا يمكن ضم كل ذلك في تأريخ التضخم النقدي، لا سيما وأن من تلك الارتفاعات في الأسعار ما كان مرتبطاً بأسباب وقتية من قحط أو نقص طارىء في المحاصيل أو ما أشبه ذلك من العوامل المؤقتة التي يخرج بها ارتفاع المستوى العام للأسعار عن كونه تضخماً نقدياً. ومن ذلك غلاء السعر في عهد رسول الله (ص) في السنة الثامنة من الهجرة، فإن سببه أن المطر قَحَطَ وانحبس، فقد روى أنس بن مالك (ض) (أن المطر قَحَطَ على عهد رسول الله (ص) بالمدينة حتى غلا السعر، وخشوا الهلاك على الأموال، وخشينا الهلاك على أنفسنا. فقلنا: ادع ربك أن يسقينا. فرفع رسول الله (ص) يديه إلى السماء، ولا والله ما نرى في السماء بيضاء، ولا والله ما قبض يده حتى رأيت السماء تشقق من هاهنا وهاهنا، حتى رأيت ركاماً، فصب سبع ليال وأيامهن من الجمعة إلى الجمعة الأخرى، والسماء تسكب). ومثل هذا الارتفاع في الأسعار لا يوصف بأنه ارتفاع تضخمي في اصطلاح الاقتصاديين؛ لأنه إنما يوصف الارتفاع في الأسعار بأنه ارتفاع تضخمي إذا كان ارتفاعاً تصاعدياً مستمراً لا يرتبط بأسباب وقتية، كما تقدم في تعريف التضخم النقدي.
ومما يمكن نظمه في تأريخ التضخم النقدي ما جرى في سنة 794هـ والسنوات التالية لها حيث زاد ضرب الفلوس المملوكية مما أدى إلى انخفاض قوتها التبادلية الشرائية للنقود. واستمر ذلك إلى آخر عصر المماليك في القرن العاشر. وكذلك ما جرى في عام 1215هـ في البلاد المصرية حيث (غلت أسعار جميع الأصناف، وانتهى سعر كل شيء إلى عشرة أمثاله وزيادة على ذلك). واستمر ذلك وكثر ضرب الريالات المغشوشة، فاضطربت معاملات الناس وأسعار الأشياء. وهاتان حادثتان يمكن وصفهما بأنهما من حالات التضخم النقدي.
ومما تقدم يتبين بجلاء أن التضخم النقدي ليس أمراً حديثاً لم تعرفه الاقتصاديات القديمة، بل له جذوره التأريخية القديمة التي اتضحت من خلال تأريخ تطور الوقائع الاقتصادية غير أن تصاعد الاهتمام بقضية التضخم النقدي (بدأ يتجلى بشكل ملحوظ على صعيد الفكر الاقتصادي، وكذا على ساحة الدراسات الاقتصادية التطبيقية منذ الحرب العالمية).
(والواقع أن تزايد الاهتمام بقضية التضخم لم يأت كنتيجة للتطور التلقائي للعلوم الاقتصادية. ولكنه يرجع إلى تغيرات أساسية حدثت على صعيد الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي منذ الثلاثينات من القرن الحالي)، هي في جملتها من تأثيرات التضخم النقدي وانعكاساته. ومن أبرز ذلك التطور الذي شهده النظام النقدي وشيوع النقود الائتمانية التي هي أكثر أنواع النقود عرضة للتقلبات والتغيرات.
التسميات
تضخم