القدس أثناء الحروب الصليبية.. تغيير معالم القدس بوضع صليب على الصخرة وتحويل المسجد الأقصى إلى مقر لفرسان الداوية وتنصيب بطريك لاتيني بدلاً من البطريرك الأرثوذكسي

يصف مؤرخ الحروب الصليبية رنسيمان (1/396) احتلال مدينة القدس بالقول: «حاصر الإفرنج مدينة القدس في 7 يونيو 1099 مدة تزيد عن الشهر وتمكنوا ليلة 13/14 يوليو من العام نفسه من دخول المدينة وقد زاد جنونهم ما أحرزوه من نصر بعد شقاء وعناء شديدين فانطلقوا في شوارع المدينة وإلى الدور والمساجد يقتلون كل من يصادفهم من الرجال والنساء والأطفال دون تمييز». وقد استمرت المذبحة طول يوم الخميس 14/7/ 1099 وليلة الجمعة ولم يعصم العلم الصليبي (علم تانكرد) الذي رفعوه فوق المسجد الأقصى وقبة الصخرة المسلمين من الذبح، وتقدِّر المصادر الأرمنية عدد ضحايا مذبحة بيت المقدس هذه بنحو 65 ألفاً من المسلمين، أما المصادر اللاتينية فتتحدث بالقول إنَّ النظر كان يقع على أكوام من الرؤوس والأيدي والأقدام في الطرق والساحات العامة.
ويتحدث ابن الأثير في كتابه الكامل (جـ10، ص283) واصفاً حصار الصليبيين للقدس والمذبحة التي أوقعوها بأهلها من المسلمين فيقول (لما وصل الإفرنج إلى بيت المقدس حصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا عليه برجين... وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين) وقد قتل في هذه المذبحة عدد كبير من أئمة المسلمين وعلمائـهم وعبَّادهم وزهَّادهم ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف. ويقارن غوستاف لوبون سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس بسلوك الخليفة عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون على نحو ما هو معروف.
اجتمع الإفرنج في 17 يوليو عام 1099 بعد أن استتبَّ الأمر لهم ليناقشوا مستقبل المدينة المقدسة فقرروا إقامة الدولة اللاتينية بزعامة غودفري دو بوبون الذي اتخذ لنفسه لقب «حامي القبر المقدس»، وظل في هذا المنصب حتى وفاته في يونيو عام 1100م مريضاً بالتيفويد في يافا. خلفه أخوه بلدوين الأول أمير الرها (أورفه) واتخَّذ لنفسه لقب ملك القدس فكان بذلك أول ملك من ملوك مملكة بيت المقدس الصليبية التي امتدت من عام 1100م حتى عام 1187م إلى الشوبك ومعان، وتمكن من الاستيلاء على جزيرة فرعون الصغيرة، وبذلك  أصبح يتحكم في طرق التجارة التي تصل بين دمشق والحجاز ومصر وعندما مات بلدوين عام 1118م كانت مملكة بيت المقدس قد بلغت أوجها فكانت تمتد من العقبة إلى بيروت أما في الشرق فكانت لا تتجاوز وادي الأردن.
جاء بعد بلدوين الأول، بلدوين الثاني (1118-1131م) وهو ابن عم الملك المتوفي وكان أيضاً أميراً على الرّها كسلفه، أسر بلدوين الثاني في أحد المعارك التي خاضها ضد المسلمين وظلَّ أسيراً حتى أواخر عام 11241م حيث عاد إلى عاصمة مملكته القدس عام 1125م. لقد تميز عهد هذا الملك بنشاط الفرسان الاسبتارية والداوية. خلف بلدوين الثاني فولك أوف أنجو (1131-1143م) وتميز عهده بتشييد القلاع للدفاع عن مملكته وبسط سيطرته على طرق التجارة.
وعندما توفي الملك فولك عام 1143م أثناء رحلة صيد، خلفه بلدوين الثالث (1143-1162م) ومن أهم الأحداث التي حدثت إبَّان حكم هذا الأخير كان سقوط إمارة الرها الصليبية بيد المسلمين، وفي عام 1162م توفي بلدوين الثالث في بيروت، وولي الأمر بعده في القدس عموري الأول (11621-1174م)، ثم جاء بعده بلدوين الرابع (1174-11851م) فبلدوين الخامس (1185-1186م). وأخيراً جاء جاي لوزجنان (1186-1187م) الذي أسر بموقعة حطين 583هـ/1187م.
وظل في الأسر حتى أطلق سراحه عام 1188م بذلك يكون جاي لوزجنان آخر ملك أفرنجي بالقدس حتى موقعة حطين وتحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي في الثاني من أكتوبر عام 1187م بعد أن امتد حكم الإفرنج للقدس إلى ما للقدس إلى ما يقارب الثماني والثمانين سنة، وعندما دخل صلاح الدين القدس سمح للفرنج بمغادرتها بعد دفع جزية بسيطة عن كل شخص قادر أما الفقراء فقد فكَّ أسر الكثير منهم دون مقابل مقدماً بذلك أروع مثل من المعاملات الإنسانية الإسلامية.
حاول الإفرنجج أثناء حكمهم لمدينة القدس تغيير معالم القدس فوضعوا على الصخرة صليباً، وحوَّلوا المسجد الأقصى إلى مقر لفرسان الداوية ونصبوا بطريكاً لاتينياً بدلاً من البطريرك الأرثوذكسي وأقاموا عدداً من المباني الدينية وأقاموا نزلاً يتسع للكثير من الحجاج. عندما دخل الملك المعظم تقي الدين عمر بن شاهنشاه مسجد الصخرة تولى بيده كنس أرضها ثم غسلها بالماء مراراً ثم اتبع الماء بماء الورد وطهرَّ حيطانها وغسل جدرانها وبخرها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال