الإدراك لثبوت المسؤولية الجزائية.. قدرة الشخص على إدراك مدى ما ينطوي عليه سلوكه من ضرر أو خطر على حقوق الآخرين

إن الإدراك أو كما سماه البعض التمييز، يقصد به قدرة الإنسان على فهم ماهية أفعاله وتصرفاته وتوقع النتائج التي تترتب عليها. ولا يقصد بالإدراك (التمييز) مجرد قدرة الشخص على إدراك ما يدور حوله ولا قدرته على إدراك ماهية أفعاله وتمثل نتائجها الطبيعية في نظر قانون العقوبات، وإنما يقصد به أساسا قدرة الشخص على إدراك مدى ما ينطوي عليه سلوكه من ضرر أو خطر على حقوق الآخرين، ذلك أن الإنسان يسأل عن فعله ولو كان يجهل أن القانون يعاقب عليه، إذ لا يصح الاعتذار بجهل القانون، فالجهل بالقانون لا يعد عذرا.
والإدراك أو التمييز بطبيعته يعد أمرا يتفاوت لدى الناس من حيث وقت ثبوته ومن حيث مداه، فمن الحقائق المسلم بها أن الإدراك (التمييز) لا يكتمل لدى الإنسان منذ ولادته، إذ لا يوجد فيه طفرة واحدة ، بل يكتسب تدريجيا على مدى سنوات منذ الميلاد إلى أن تكتمل ملكاته الذهنية.
لذلك نجد أن المشرع الجنائي يحدد سنا معينة ويمنع من مساءلة الصغير جزائيا قبل إتمامها تأسيسا على افتراض عدم إدراك الصغير لماهية العمل الإجرامي وعواقبه.
لقد حددت معظم التشريعات السن التي يكون فيها الإنسان غير مميز، ومن ثم فهو غير مسؤول جزائيا، فقد حدد القانون المدني العراقي المرقم (40) لسنة 1951سن التمييز بسبع سنوات. وهذا ما أخذ به  قانون العقوبات العراقي في المادة (64) منه والتي نصت على أنه: (لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم السابعة من عمره).
إلا أنه وبصدور قانون رعاية الأحداث العراقي المرقم (76) لسنة 1983أصبح سن التمييز تسع سنوات، حيث نصت المادة (47) منه ( أولا ـ لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره).
ومن هذا النص يفهم أن مرحلة امتناع المسؤولية الجزائية هي مرحلة الصغر والتي تبدأ بالميلاد وتنتهي بتمام التاسعة، حيث يفترض المشرع أن الصغير في هذه المرحلة عديم المسؤولية، فعدم تمام سن التاسعة قرينة قانونية قاطعة على عدم الإدراك، و"للمحكمة إهمال الوثيقة الرسمية في تقدير عمر المتهم الحدث إذا تعارضت مع ظاهر حاله وإحالته إلى الفحص الطبي لتقدير عمره بالوسائل العلمية".
والعبرة بالاعتداد بسن الحدث هي وقت ارتكاب الجريمة لا وقت الحكم عليه في الدعوى.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال