اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ فيما يترتب على كساد النقود الاصطلاحية كاختلافهم في كساد النقود الخلقية. فالأقوال في المسألتين متفقة، وكذلك قائلوها.
بيد أن بعض متأخري أصحاب أبي حنيفة حمل قوله بأن البيع يبطل على أنه يخرج من أن يكون لازماً، فيكون للبائع الخيار بين نقض العقد وبين إمضائه. وهذا وجه عند الشافعية كما تقدمت الإشارة إليه في كساد النقود الخلقية، وقد قال عنه النووي: (وفيه وجه شاذ ضعيف أنه مخير).
أما أدلة هذه الأقوال فهي قريبة من أدلة الأقوال في مسألة كساد النقود الخلقية من حيث المعنى، ولهذا فإنني سأذكر ما اختصت به هذه المسألة من أدلة، ولم يسبق له ذكر في مسألة كساد النقود الخلقية.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأن الوصف المقصود في النقود الاصطلاحية هو ثمنيتها، وقد زال هذا الوصف بكسادها فصارت بذلك كالنقود التالفة؛ (لأن المقصود منها الرواج فهو لها كالحياة)، فيتعذر بذلك ردها للدائن بعد فوات هذا الوصف ووجب له قيمتها.
وهذا الدليل هو أول أدلة القول الأول في مسألة كساد النقود الخلقية. والفارق بين المسألتين أن الكساد في النقود الاصطلاحية قد يلغي قيمتها بالكلية فتكون بمنزلة النقود التالفة بخلاف الكساد في النقود الخلقية فإنه لا يلغي قيمتها بالكلية كما تقدم. وعلى هذا فإن بذل هذه النقود الكاسدة التي لا نفع فيها ظلم لمستحقها؛ لأنه إنما قصد بالمعاملة عوضاً منتفعاً به لا ما لا نفع فيه.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن الفلوس مثلية فيجب فيها رد المثل كسائر المثليات، والكساد لا يلغي هذا الوصف عنها.
يناقش هذا: بأن المقصود من الفلوس هو ماليتها لا عينها وذاتها، والكساد يذهب بهذه الصفة ويلغيها، ولا يبقى إلا العين التي تتعلق بها المثلية، وهي غير مقصودة للمتعاقدين. فلا يسوغ إهمال مقصود العقد والتمسك بما لم يقصده المتعاقدان؛ لما في ذلك من الظلم، والخروج بالعقود عن مقاصدها. ووجه الظلم في ذلك أنه بكساد الفلوس تغير موجب العقد الذي هو ملك فلوس هي ثمن بعد الكساد لم يبق في الذمة فلوس بهذه الصفة فتجب قيمتها؛ لأن المثلية بعد الكساد متعذرة فلم يبق إلا التماثل من حيث القيمة.
ثانياً: أن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس كجائحة نزلت بمال المستحق، فليس له إلا ما تم عليه العقد.
يناقش هذا: بأن مقتضى القول بأن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس جائحة من جوائح الأموال أن يدفع الضرر عمن فات غرضه ولحقه الضرر بدخول النقص عليه، وذلك بفعل ما يدفع ضرره أو يخففه. وقد ذكر بعض الفقهاء أن نقصان سعر المبيع جائحة توجب الوضع عن المتضرر، فكيف بالكساد الذي هو هلاك القيمة بالكلية؟
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بأن إيجاب القيمة في كساد النقود الاصطلاحية فيما إذا كان الدين قرضاً يفضي إلى ربا النسيئة.
وقد تقدم الجواب على هذا في مسألة كساد النقود الخلقية، وأنه إذا اعتاض عنه من غير جنسه، وتفرقا وليس بينهما شيء فقد سلم من الربا. وكذلك النقود الاصطلاحية إذا كسدت فإنه يعتاض عنها قيمتها من الذهب أو الفضة. بل لو اعتاض عنها من الفلوس الجديدة لم يكن في ذلك ربا؛ لأن جمهور أهل العلم على أن الفلوس ليست من الأموال الربوية، أما من يقول بأنه يجري فيها الربا فإنما يقول ذلك في حال رواجها فإذا كسدت فإنما هي سلعة يجب رد قيمتها.
الترجيح:
الذي يترجح من هذه الأقوال هو القول الأول، وأن كساد النقود الاصطلاحية بعد التعامل بها وقبل قبضها يوجب رد قيمتها؛ وذلك لقوة تعليلاته وسلامتها من المناقشات، والله أعلم بالصواب.
بيد أن بعض متأخري أصحاب أبي حنيفة حمل قوله بأن البيع يبطل على أنه يخرج من أن يكون لازماً، فيكون للبائع الخيار بين نقض العقد وبين إمضائه. وهذا وجه عند الشافعية كما تقدمت الإشارة إليه في كساد النقود الخلقية، وقد قال عنه النووي: (وفيه وجه شاذ ضعيف أنه مخير).
أما أدلة هذه الأقوال فهي قريبة من أدلة الأقوال في مسألة كساد النقود الخلقية من حيث المعنى، ولهذا فإنني سأذكر ما اختصت به هذه المسألة من أدلة، ولم يسبق له ذكر في مسألة كساد النقود الخلقية.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأن الوصف المقصود في النقود الاصطلاحية هو ثمنيتها، وقد زال هذا الوصف بكسادها فصارت بذلك كالنقود التالفة؛ (لأن المقصود منها الرواج فهو لها كالحياة)، فيتعذر بذلك ردها للدائن بعد فوات هذا الوصف ووجب له قيمتها.
وهذا الدليل هو أول أدلة القول الأول في مسألة كساد النقود الخلقية. والفارق بين المسألتين أن الكساد في النقود الاصطلاحية قد يلغي قيمتها بالكلية فتكون بمنزلة النقود التالفة بخلاف الكساد في النقود الخلقية فإنه لا يلغي قيمتها بالكلية كما تقدم. وعلى هذا فإن بذل هذه النقود الكاسدة التي لا نفع فيها ظلم لمستحقها؛ لأنه إنما قصد بالمعاملة عوضاً منتفعاً به لا ما لا نفع فيه.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن الفلوس مثلية فيجب فيها رد المثل كسائر المثليات، والكساد لا يلغي هذا الوصف عنها.
يناقش هذا: بأن المقصود من الفلوس هو ماليتها لا عينها وذاتها، والكساد يذهب بهذه الصفة ويلغيها، ولا يبقى إلا العين التي تتعلق بها المثلية، وهي غير مقصودة للمتعاقدين. فلا يسوغ إهمال مقصود العقد والتمسك بما لم يقصده المتعاقدان؛ لما في ذلك من الظلم، والخروج بالعقود عن مقاصدها. ووجه الظلم في ذلك أنه بكساد الفلوس تغير موجب العقد الذي هو ملك فلوس هي ثمن بعد الكساد لم يبق في الذمة فلوس بهذه الصفة فتجب قيمتها؛ لأن المثلية بعد الكساد متعذرة فلم يبق إلا التماثل من حيث القيمة.
ثانياً: أن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس كجائحة نزلت بمال المستحق، فليس له إلا ما تم عليه العقد.
يناقش هذا: بأن مقتضى القول بأن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس جائحة من جوائح الأموال أن يدفع الضرر عمن فات غرضه ولحقه الضرر بدخول النقص عليه، وذلك بفعل ما يدفع ضرره أو يخففه. وقد ذكر بعض الفقهاء أن نقصان سعر المبيع جائحة توجب الوضع عن المتضرر، فكيف بالكساد الذي هو هلاك القيمة بالكلية؟
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بأن إيجاب القيمة في كساد النقود الاصطلاحية فيما إذا كان الدين قرضاً يفضي إلى ربا النسيئة.
وقد تقدم الجواب على هذا في مسألة كساد النقود الخلقية، وأنه إذا اعتاض عنه من غير جنسه، وتفرقا وليس بينهما شيء فقد سلم من الربا. وكذلك النقود الاصطلاحية إذا كسدت فإنه يعتاض عنها قيمتها من الذهب أو الفضة. بل لو اعتاض عنها من الفلوس الجديدة لم يكن في ذلك ربا؛ لأن جمهور أهل العلم على أن الفلوس ليست من الأموال الربوية، أما من يقول بأنه يجري فيها الربا فإنما يقول ذلك في حال رواجها فإذا كسدت فإنما هي سلعة يجب رد قيمتها.
الترجيح:
الذي يترجح من هذه الأقوال هو القول الأول، وأن كساد النقود الاصطلاحية بعد التعامل بها وقبل قبضها يوجب رد قيمتها؛ وذلك لقوة تعليلاته وسلامتها من المناقشات، والله أعلم بالصواب.
التسميات
تضخم