القدس تحت حكم السلاجقة.. انتهاز الإفرنج الخلافات والصراعات بين الدولة الفاطمية والسلاجقة واحتلال مدينة القدس لتأمين طريق الحج المسيحي إلى الديار المقدسة

وضع السلاجقة حداً لحكم الفاطميين في القدس عام (463هـ/1070م) وعادت الخطبة للخليفة العباسي من جديد، إلا أنه بعد ست وعشرين سنة تقريباً عاد الفاطميون إلى القدس في عهد الخليفة الفاطمي المستعلي لمدة ثلاث سنوات حيث اغتصبها منهم الإفرنج على النحو الذي سنراه فيما بعد.
في هذا العهد أقيم عدد من المؤسسات العامة بالقدس الشريف. من تلك المؤسسات «البيمارستان» ويعتبر هذا أول مستشفى أسس بمدينة القدس ومنها «دار العلم» وكانت فرعاً لدار الحكمة بمصر.
ومما وصف به المقدسي الجغرافي في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص 165) مدينة القدس في هذا العهد: «بيت المقدس، ليس في مدائن الكور أكبر منها... ليست شديدة البرد، وليس بها حر، وقلَّما يقع بها ثلج... تلك صفة الجنة... بنيانها حجر، لا نرى أحسن منه ولا أتقن من بنائها، ولا أعفَّ من أهلها، ولا أطيب من العيش بها ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها».
ثم يقول: «إنها أطيب من مصر... وأجلُّ وأفضل وأكبر... جمعت الدنيا والآخرة ومع ذلك فإن لها عيوباً عدة، منها أنَّها طشت من ذهب، مليء بالعقارب، حماماتها قذرة... قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء... ضرائب ثقال على ما يباع... ليس للمظلوم فيها أنصار والمستور فيها مهموم والغني حسود، والفقيه مهجور والأديب غير مشهود».
كما وصف «ناصر خسرو» المدينة. قد زارها عام 1047م كما يلي: «يحيط بالمدينة سور منيع، مبني بالحجارة، وللسور أبواب من حديد يقطن فيها عشرون ألفاً من السكان، بينهم صناع كثيرون، ولكل صنعة سوق خاصة بها…».
في عام 1072م استولى ألب أرسلان القائد السلجوقي على بيت المقدس، ولما توفي خلفه ولده محمد ملك شاه الذي تلقب بلقب السلطان العادل وفي عهده ثار أهل القدس على الحاكم السلجوقي عام 1077م، ومن عمال ملك شاه الذين تولوا القدس الأمير «ارتق بن اكسك» التركماني الذي اغتصب القدس وأسس فيها دولة عرفت بدولة الأرتقيين، وفي عام 1091م توفي الأرتقي عن ولدين هما: ايلغازي وستغمان فحكما معاً بيت المقدس وفلسطين إلا أن الفاطميين عادوا إلى القدس عام 1096 كما مر معنا.
انتهز الإفرنج الخلافات والصراعات التي كانت قائمة بين الدولة الفاطمية والسلاجقة كما أشرنا فاغتصبوا مدينة القدس الشريف التي طالما سعوا إلى ذلك رغبة في تأمين طريق الحج المسيحي إلى الديار المقدسة على حد زعمهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال