في 4 نيسان/ أبريل 1947عقد المؤتمر القومي التأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، و حضره عدد من الطلبة العرب، كان من بينهم طلاب فلسطينيون وأردنيون عرف منهم أمين شقير، وحمدي الساكت.
وبعد رجوعهما إلى الضفة والأردن أخذا يؤسسان حلقات البعث في الضفة الشرقية، والتي انضم إليها منيف الرزاز، وعبد الرحمن شقير، وسليمان الحديدي.
وفي العام الذي تلاه قام عبد الرحمن شقير، وراضي الشخشير، وسليمان الحديدي بزيارة بهجت أبو غربية في القدس، وبعد سلسلة زيارات متكررة عرضوا عليه الانتساب إلى الحزب في يوليو/ تموز 1949، حيث استجاب لطلبهم وكان من أوائل المنتسبين في الضفة الغربية لحزب البعث، "رغم أن بعض الشباب الفلسطيني الذين أقاموا في الضفة الشرقية سبقوه إلى ذلك".
إلى جانب الحلقة التي أسسها أبو غربية في القدس، كانت هناك حلقة بعثية تعمل في طولكرم منذ ديسمبر/ كانون الأول 1948، وتضم طلاباً درسوا في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهؤلاء تعرفوا على فكر حزب البعث بعد اختلاطهم بشعبة بيروت، في لبنان، وهم صبري قندلفت، ومالك الحاج إبراهيم ومحمود الخواجا، وانتسب إلى حلقتهم خالد درزي.
انتشرت في الضفة الغربية مجموعات مختلفة تحمل اسم البعث: إحداها يرتبط بحزب البعث الأردني، والثانية تعمل في رام الله والقدس، وتحمل اسم جماعة البعث في رام الله، وقد عملت هذه المجموعات المختلفة في مجتمع فلسطيني متعطش للتغيير، ويرفض الهزيمة التي سببتها الأنظمة الرجعية العربية.
كانت "جماعة البعث" في رام الله والقدس عبارة عن مجموعة أشخاص غير منتسبين إلى أحزاب سياسية، ولكنهم تأثروا بتيار المعارضة الشعبية، وتمّيزوا بالمستوى الثقافي العالي، وتجمعوا حول صحيفة "البعث"، التي أصدروها في مدينة القدس في آذار/ مارس 1949.
بعد عقد الهدنة الثانية عام1949 بين الأردن والكيان الصهيوني، تعرف عبد الله الريماوي وعبد الله نعواس، وكمال ناصر، على الضابط الأردني عبد الله التل، الذي كان حاكماً عسكرياً لمدينة القدس، وحمل روح المعارضة للنظام الأردني، وقد سهل لهم إصدار صحيفة البعث التي حررها الريماوي، وأتاح لهم الاطلاع على خفايا السياسة الأردنية، وشجعهم على توجيه الانتقادات للحكم في الأردن.
ضمت "جماعة البعث" في رام الله، والقدس أشخاصاً، عرفوا بنضالاتهم الوطنية، فبعضهم عمل في مكاتب الدعاية العربية، أو ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية، وإنشاء مشاريع صناعية لتطوير أحوال المزارع والفلاح الفلسطيني، مثل موسى العلمي، وبعضهم شارك مع عبد القادر الحسيني في تنظيم الجهاد المقدس، ومع جيش الإنقاذ، ومن بينهم: عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، وكمال ناصر، وأنور الخطيب.
تضامن مع هذه المجموعة عدد آخر من المثقفين الفلسطينيين منهم: أنور الخطيب، وبرهان الدجاني، ويحيى حمودة.
لاقت صحيفة البعث الدعم والتأييد المالي والمعنوي من الزعيم الفلسطيني موسى العلمي مؤسس المشروع الإنشائي العربي في أريحا.
أغلقت صحيفة البعث في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 1949، في أعقاب اندلاع التظاهرات الشعبية العنيفة في الضفة الغربية، ثم بسبب كتابة كمال ناصر مقالا في البعث حول تسليم "المثلث العربي الفلسطيني" فسجن 18 يوماً.
أطلق سراح عبد الله نعواس في أبريل/ نيسان 1949، وبعدها بشهر واحد أطلق سراح عبد الله الريماوي حيث عملت الحكومة الأردنية لاستكمال خطوات ضمّ الضفتين الشرقية والغربية حيث كان مقرراً لها أن تنتهي في هذا الشهر، وذلك بإجراء انتخابات برلمانية مشتركة للضفتين الشرقية والغربية وحرصا على إشراك جميع أطراف المعارضة، ومنها: حزب البعث رغم أنه لم يقدّر تماماً مدى قوتها أو فاعليتها الحقيقية، لاسيما في القدس ورام الله وما حولهما.
أظهرت نتائج الانتخابات القوة التي تمتعت بها جماعة البعث، ومنها المرشحان عبد الله نعواس وعبد الله الريماوي. لقد حظي كلاهما بشعبية كبيرة، كما تميز الريماوي بنشاطه المكثف؛ مما أهله لاحقا للصعود في الحزب ، وظل الأكثر تأثيراً حتى عام 1959.
عقدت جماعة البعث اجتماعاتها في القدس ورام الله، ففي القدس عقدت اجتماعاتها في حي باب الساهرة، وهي تلتمس السبل في سبيل إنقاذ فلسطين، وعقدت اجتماعاً موسعاً في بيت يحيى حموده في رام الله لغرض بلورة حزب سياسي من هؤلاء الأشخاص وغيرهم.
وقد وصف أحد المشاركين التوجه السائد لديهم "هو إنشاء حزب بعث عربي يعمل لوحدة هذه الأمة، وتجميع قدراتها لإنقاذ فلسطين".
اختلف جماعة البعث في تسمية الحزب حيث عرض الريماوي ونعواس وبرهان الدجاني تبَنّي الاشتراكية، وإدخال كلمة الاشتراكي بعد حزب البعث، وتقرر تقديم طلب ترخيص وتعيين محمد أديب العامري أميناً عاماً للحزب، إلا أن الحكومة رفضت منحهم ترخيصاً، وانفرط عقدهم وأعيد تشكيل الحزب بأعضاء جدد.
أما اسم جماعة البعث في منطقة رام الله والقدس فقد جاء بعد أن زار أمين عام حزب البعث فلسطين في حرب1948، وقام بتوزيع بيانات ومنشورات في رام الله والقدس، والتقى عبد الله الريماوي أمين عام الحزب الذي أعجب بأفكار البعث بعد أن قرأ دستوره.
سافر عبد الله الريماوي إلى دمشق ليبحث مع قيادة الحزب هناك إقامة حزب مستقل في الضفة الغربية، ودون أن تكون له أية علاقة بتنظيم حزب البعث في الأردن، إلا أن الأمين العام رفض هذا العرض واقتنع عبد الله الريماوي وعبد الله نعواس بالفكرة، وانتسبا لحزب البعث الأردن، ولم يفعل الآخرون الشيء نفسه، وكان ذلك عشية الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن عام 1950، التي على أثرها تمّ توحيد الضفتين.
وقد جاء توحيد حزب البعث في رام الله مع حزب البعث في الضفة الشرقية بعد أن سبق للبعث في سورية أن أصدر في أوائل عام 1950 منشوراً في دمشق يوضح فيه عدم صلته بحزب البعث في رام الله، الذي أعلنت عن تأسيسه صحيفة فلسطين في شباط / فبراير 1950.
انتظم عقد المجموعات البعثية المختلفة في تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الأردني، بينما اختار آخرون الاستقلالية السياسية، وهكذا برزت أسماء جديدة في التنظيم أمثال: عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، وبهجت أبو غربية، وكمال ناصر.
ففي مؤتمره القطري الأول عام 1952 أختار المؤتمرون عبد الله الريماوي رئيساً للقيادة القطرية بعد أن كان أمين شقير أميناً عاماً لمنظمة البعث قبل هذا التاريخ.
وضمت القيادة القطرية لحزب البعث كل من عبد الله نعواس، وبهجت أبو غربية، وعبد الرحمن شقير، وأمين شقير، وحمدي عبد المجيد، وحسني الخفش، وسليمان الحديدي.
انتشرت فروع حزب البعث في مدن المملكة الأردنية الهاشمية، وعقد الحزب مؤتمره الأول وفي الخامس من شباط/ فبراير1952 تقدم عبد الله الريماوي، وفرحان إسحاق، ومنيف الرزاز، وعبد الله نعواس، وبهجت أبو غربية، وأمين شقير، وسليمان الحديدي بطلب ترخيص للحزب، ورفض مجلس الوزراء طلب الترخيص؛ لأنه يخالف ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 16 من الدستور الأردني بدعوى اعتناقه مبادئ متطرفة وهو فرع للبعث في سورية.
عادوا مرة أخرى لتقديم طلب جديد في 23 حزيران/ يونيو 1953، ورفضته الحكومة في آذار/ مارس 1954، وكرروا طلبهم الجديد، وأضيف لهم حسني الخفش، وحمدي عبد المجيد، وعلي الجعبري، و راتب دروزة، وعبد الكريم خريس إلا أن طلبهم رفض مرة أخرى من قبل مجلس الوزراء في 28 حزيران/ يونيو 1954، لكن محكمة العدل العليا عادت و نقضت رفض الحكومة، مما سمح للحزب في النشاط العلني وفي 28 آب/ أغسطس1955 اعتبر الحزب قائماً بقرار من محكمة العدل العليا ومارس نشاطه.
قام الحزب في بداية تأسيسه على كاهل مجموعة من الأشخاص المثقفين والذين سبقت لهم تجارب وطنية وسياسية في الأردن وفلسطين ومنهم: سليمان الحديدي، وأمين شقير، وجمال الشاعر ومنيف الرزاز (الضفة الشرقية)، و كل من (عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، وبهجت أبو غربية وحسني الخفش، وبسام الشكعة (الضفة الغربية)، وهؤلاء يضمون خريجين من الجامعة الأمريكية في بيروت، أو ناضلوا في الثورات العربية الفلسطينية مثل: ثورة 1936- 1939، والحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948 أو كانوا أعضاء في عصبة العمل الوطني وتركوها، بعد أن أيد الشيوعيون قرار التقسيم الصادر عام 1947.
التسميات
بعث فلسطيني