نهض من نومه، وغسل وجهه من آثار النعاس ... وصلى لله حمدا وشكرا... وبادل زوجته أحلى الكلمات، وداعب أطفاله أجمل مداعبة، ارتدى معطفه الأبيض، ثم استقل سيارته ليذهب إلى عمله... بعد أن أدار محرك السيارة تأكد من أن سيارته في حالة جيدة... خرج جاره ليذهب إلى عمله فبادله تحية الصباح بقلب صاف وروح طيبة.
لقد كان يقظا وهو يقود سيارته ملتزما بقواعد المرور ... ازدحمت السيارات عند إشارات المرور ... لم يغير اتجاهه ... ولم يحاول صعود الرصيف، ولم يستخدم البوق المزعج عندما تلكأت السيارة التي أمامه.
وصل إلى عمله محييا زملاءه بابتسامة صادقة ... دخل مكتب ، وبدأ المواطنون بالدخول ... كان يضع على جدار المكتب عبارة تقول: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وكان ملتزما تجاه نفسه بهذا المبدأ ... دخل عليه مواطن يطلب خدمة تستوجب وقتا لإنجازها ... قام بنفسه، وبحث عن الأوراق الخاصة بالمعاملة، وأرشد صاحبها إلى مكتب الزميل الذي عليه تكملة المعاملة.
جاء شخص مندفعا بكبرياء ... وشموخ ... وتعالٍ، ورمى بالورقة أمامه مخاطبا إياه بإنجازها بسرعة ... ابتسم صاحبنا ... وترجى الرجل بالجلوس ... لكنه أبى ... وبما أن إنجاز المعاملة يحتاج إلى وقت ليس بالقصير ... فقد شرح صاحبنا للشخص طريقة إنجازها، لكن الشخص رفض وأصر على موقفه ... ثم أدخل يده في جيبه، وأخرج مجموعة من الأوراق النقدية، ودس بها بين الملفات الموجودة أمام صاحبنا ... ابتسم صاحبنا ورد الورقات إلى صاحبها مبينا أنه يتسلم راتبا من الدولة لقاء خدمته ... زاد غضب الشخص، وهدد بأن يشكو لمديره أنه تعمد تأخير المعاملة ... ابتسم صاحبنا وردد عبارته بأن المعاملة تحتاج إلى وقت ... وأن كثيرين من الناس يودون الدخول إليه ... ألقى الشخص عبارات غير لائقة، وسحب ورقته، وهرول خارجا ليذهب إلى المدير.
دخل الفراش بالجرائد اليومية ... شكره ... ونحاها أسفل المكتب ليقرأها بالمنزل.
انتهى وقت الدوام ... وخرج من مكتبه ... وعلى سلم المبنى تقابل مع أحد الموظفين الذي حاول أن يستميله في حديث عن زميل آخر. لكنه اعتذر بعدم معرفته بالموضوع، ونزل درجات السلم ... قابل مجموعة من الموظفين عند باب الخروج ... فتحدث إليهم بكل احترام ورزانة ... نزل المدير فإذا بالموظفين يتوددون إليه بكلمات منمقة ... لكن صاحبنا حياه باحترام وتنحى بكل قوة وثبات.
عند تقاطع الشارع كانت هناك سيارة مستعجلة فأعطاها إشارة المرور ... وصل إلى الإشارة الضوئية وكانت صفراء ... خفف من سرعته، ووقف حتى صارت الشارة خضراء فواصل السير.
وصل إلى منزله ... وترك كل هموم العمل، واستمع إلى نشرة الأخبار ... وقرأ جرائد اليوم، وتناول الغداء ... وفي المساء صاحب عائلته في جولة، وبدأ بالحديث اللطيف مع أسرته، وشاهد برامج التلفزيون إنه رجل المدينة الفاضلة!!!
أحمد عبد الملك، بذور الصحراء، دار قطري بن الفجاءة، الدوحة، 1984، ص: 130 (بتصرف).
التسميات
نصوص 3اع