المرحلة الفاصلة في النزاع الحجازي النجدي.. خروج القوات الحجازية من مكة تتقدمها بعض المصفحات القديمة وبتغطية من المدفعية واشتباكها مع القوات النجدية

لقد مكث الوهابيون عدة أشهر في مكة قبل ان يجهزوا على جدة مقر الملك علي، حيث استكملوا خلالها استعداداتهم العسكرية واحتلوا بعض المواقع الاستراتيجية المتمثلة بثغور القنفذة والليث ورابغ، واستطلعوا أوضاع الأجزاء الأخرى من المملكة الحجازية، التي كانت تسير من سيء الى أسوأ، استعدادا للانفضاض على العاصمة، ولعل الحياد البريطاني من النزاع كان من جملة العوامل المشجعة لتصفية ما تبقى من مملكة الحجاز.

لقد أقرت خطة استئناف الهجوم الوهابي من جهات مكة في الاجتماع المنعقد في مكة بتاريخ 2 كانون الثاني 1925 برئاسة عبد العزيز بن سعود، الذي كان قد وصل إلى مكة في 4 كانون الأول 1924.

فتحركت القوات الوهابية فعلا الى جدة ووصلت طلائعها الى سهل جدة بعد يومين من الاجتماع المذكور، فيما شرع الزعيم الوهابي بالانتقال من مكة الى منطقة (بحرة) فمنطقة (حداء) القريبتين من جدة.

لم يحصل في بداية الأمر صدام مباشر بين طلائع القوات النجدية والقوات الحجازية، واقتصر الأمر على مناوشات بسيطة، اندفعت بعدها القوات النجدية الى مهاجمة خط الدفاع المحيط بجدة فاحتلت بعض المواقع المجاورة كالنزلة اليمانية ونزلة بني مالك، ومنطقة الروس.

ومع إخلاء القوات النجدية لهذه المواقع تحت ضغط القوات الحجازية، إلا انها تمكنت من احكام سيطرتها عليها وقامت بحفر الخنادق والاستحكامات، وأخذت تدخل قتالا نظاميا مع القوات الحجازية.

بما رافق ذلك من الغارات الليلية التي كان يشنها الوهابيون، لإثارة الذعر بين الناس وتأليبهم ضد حكومة علي وإخراجها، ولحمل قوات الخصم على الاسراف في الذخيرة.

صعدت القوات النجدية ـ بعد مرابطتها بجوار جدة ـ من هجماتها وأخذت المدفعية التي نصبت في ضواحي المدينة بإرسال قذائفها الى هناك فأصاب بعضها خط الدفاع عن جدة، وسقط الآخر في وسط المدينة وحتى حدودها من جهة البحر ـ كما تعرضت لهذه القذائف كل من القنصلية البريطانية والسوفييتية والفرنسية إضافة الى ما سببته من قتل وجرح البعض، فشرع الأهالي بترك المدينة باتجاه السواحل الافريقية، أو عدن، أو الى مكة عن طريق ميناء الليث.

ومع ذلك فإن المواجهة المباشرة بين المعسكرين لم تتم حتى آذار 1925عندما تجرأت القوات الحجازية بالخروج عن المدينة، تتقدمها بعض المصفحات القديمة وبتغطية من المدفعية الحجازية حيث اشتبكت مع القوات النجدية في معركة دامت أربع ساعات، لم تتمكن المصفحات كما عهد إليها من تنفيذ مهماتها في قطع المدد والاتصال بين الخطوات الأمامية والخلفية للقوات النجدية، وانتهت المعركة، دون أن تحقق الحكومة الحجازية هدفها في تخفيف الضغط الذي تواجهه المدينة.

ساد الهدوء جبهة القتال لحلول شهر رمضان، واستمر في الشهر الذي يليهن بيد ان الحركات العسكرية استؤنفت في شمال الحجاز، وشرعت القوات النجدية بمناوشة المدن الحجازية الواقعة في هذه الجهة، كينبع ومداين صالح، والعلا، وينبع النخل، والعوالي وبدر، في هدف احكام حصار المدينة المنورة وحمل أهلها للضغط على قيادة التسليم.

وقد تمكن النجديون من احتلال بدر والعوالي القريبتين من المدينة، فيما ظلت قوات أخرى ترابط أمام المدن المتبقية بانتظار الأوامر من القيادة العليا.

وقد تمكنت من احتلال ينبع النخل والضبا وأملج ولوجه في حوالي نيسان/مايس 1925  فيما تم احتلال المدينة المنورة في الخامس من كانون الأول 1925 بعد حصار دام عشرة أشهر.

أما جبهة جدة فاستمر فيها الهدوء، لحلول موسم الحج، حيث عمد ابن سعود ـ ولتسهيل مقدم الوافدين الى الحج ـ إلى سحب قواته من جبهة جدة لهذا الغرض.

استأنف بعدها حصاره للمدينة التي أخذت أوضاعها عموما بالتردي بعد ان كابدت حصارا قاسيا دام عاما تقريبا، اضطر الملك على أثرها ان يوسط القنصل البريطاني (ريد بولارد)  لإنهاء حالة القتال والتسليم لابن سعود بالأمر الواقع في 15 كانون الأول 1925، وسلمه الشروط التي اقترحها للتسليم، فطلب المعتمد البريطاني على أثرها موافقة حكومته للتوسط، فلم تمانع الاخيرة من اقرار هذه الخطوة التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، وراحت القنصلية وبعثت في 16 منه بأحد موظفيها (منشئ احسان الله) وبمعيته رسالة من وكيل القنصل البريطاني (غورون الى عبد العزيز بن سعود يدعوه فيها الى الاجتماع به للاتفاق على تسليم جدة.

وقد استجاب عبد العزيز بن سعود لذلك واجتمع بوكيل القنصل في اليوم التالي (17 كانون الاول) وتم الاتفاق على الشروط التي تقدم بها الملك على تسليم عاصمته.

ووقع عليها كاتفاقية من قبل الحاكمين في مساء نفس اليوم الخميس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال