سامراء.. بعض قبور الخلفاء العباسيين وقبر على الهادي الإمام العاشر من أئمة الشيعة والسرداب الذي دخله محمد المنتظر الإمام الثاني عشر

سامراء مدينة تقع إلى الشمال من بغداد على بعد مائة وثلاثين كيلو متر منها تقريبا.
وقد أسسها الخليفة المعتصم بالله العباسي سنة 221هـ/835م على يد قائده أشناس، ونقل إليها مقر الحكم.

وقد حرص على أن تكون أعظم من بغداد عاصمة جده المنصور.
كما أراد أن يبرز معالمها في أقل وقت، فجند لها المهندسين والبنائين واختار مواقع القصور.
وجعل لكل واحد من أصحابه بناء قصر.

ومن أسماء القصور التي وصلتنا: الجوسق الخاقاني (قصر المعتصم) والهاروني قصر الواثق، وقصور المتوكل: العروس، وبلكوارا ثم العاشق قصر المعتمد.

وخطت في المدينة قطائع لأصحاب الحرف اليدوية والجنود والقواد وسائر أفراد الشعب وكانت قطائع الجند بعيدة عن الأسواق وعن أحياء أصحاب المهن.

وقد خططت شوارع المدينة كأحسن ما تكون الشوارع سعة واستقامة وطولا, وقد اشترك في بناء سامراء وعمارتها عمال من سائر الأقطار.

فمن مصر أحضر إليها من يعمل قراطيس البردي.
ومن البصرة من يصنع الزجاج والخزف والحصير.
ومن الكوفة من يعمل الخزف والأدهان.

وأنزل هؤلاء الصناع بعيالهم ومصانعهم في المدينة وأقطعهم الأراضي وحثهم على البناء ونتج عن ذلك نمو المدينة نموا سريعا.

ويقال أنها سميت في أول الأمر يسرور من رأى، ثم اختصر الاسم إلى سر من رأى، ولما خربت سميت ساء من رأى ثم اختصر فقيل سامراء وأطلق عليها العسكر.

وعلى غرار المدن الإسلامية كان المسجد مركز المدينة.
ويتميز جامع سامراء بمئذنته الملوية التي تختلف عن المآذن الأخرى، حيث يصعد إليها بدرج من الخارج يلتف حلوها، ولا يشبهها في ذلك إلا مئذنة أبي ولف في سامراء أيضا ومئذنة جامع ابن طولون بالقاهرة، وكلتاهما تأثرتا بالملوية في تصميمها.

ومن المعتقد أن الملوية تأثرت أيضا ببناء الزقورة وهي من الآثار العراقية القديمة.
وقد اهتم المعتصم وخلفاؤه ببناء القصور، وخططوا فيها البساتين والبحيرات والميادين.

وينسب إلى المعتصم والمتوكل بناء سبعة عشر قصرا في سامراء.
وقد احتذى المهندسون في العالم الإسلامي هذه القصور عند بنائهم للقصور بعد ذلك.
وبني المتوكل مدينة الجعفرية شمال سامراء التي اتصل بناؤها ببناء سامراء.

وأقام المتوكل في قصورها تسعة أشهر ثم قتل بتدبير من ابنه المنتصر الذي خلفه، ورجع إلى الإقامة بسامراء مما أدى إلى خراب الجعفرية وقصورها.

ثم بدأ الإضمحلال يدب في سامراء في حكم المستعين والمعتز والمهدي.
ثم أعاد المعتمد مركز الخلافة إلى بغداد سنة 276هـ/889م فخربت وهدمت مبانيها ولم يتبقى منها إلا المسجد الجامع ومئذنته الملوية، و بعض قبور الخلفاء العباسيين وقبر على الهادي الإمام العاشر من أئمة الشيعة، والسرداب الذي دخله محمد المنتظر الإمام الثاني عشر ثم اختفى سنة 265 هـ.

ونظرا لخراب سامراء فهي ذات أهمية أثرية إذ يمكن بإجراء الحفائر  اكتشاف المخلفات الأثرية القديمة بعكس المدن المأهولة التي تندثر فيها الآثار القديمة ليحل محلها مبان أحدث.

وقد كشفت حفائر سامراء عن ازدهار هذه المدينة في الفنون والصناعات إذ عثر بها على آثار معمارية وصور جدارية وتماثيل وزخارف جصية وتحف خزفية وزجاجية... إلخ.

كما اتضح من منتجاتها اتخاذ الفن الإسلامي طابعا دوليا انتشر في كل الأقطار مثل طرز سامراء الثلاثة والخزف ذو البريق المعدني الذي يرجح أن صناعته بدأت في سامراء وانتقل إلى مختلف الأقطار مثل الشام وإيران ومصر وشمال أفريقيا والأندلس.

وكذلك الصور التي وجدت في عمائرها مثل صور قصر الجوسق المرسومة على الجص وضعت أساسا لفن التصوير في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال