علاقة الحجاز بنجد عند قيام ثورة عام 1916.. توتر العلاقات بين أهل الحجاز والوهابيين الذين واجههم الشريف حسين وكان على يدهم تدمير مملكته الحجازية

لم تكن العلاقات السلبية بين أهل الحجاز والوهابيين بالامر الجديد، اذ تمتد جذور السلبيات الى اواخر القرن الثامن عشر، حيث بدأ الوهابيون ينشرون دعوتهم سلما وعنوة، وقاست الدولة العثمانية منهم الامرين في عقدي دولتي السعودية الاولى والثانية وحتى قبيل الحرب العالمية الاول.

وقد وقع على عاتق الحسين بن علي مناجزة هؤلاء في العقد الاول من القرن العشرين في عهد شريفيته، ثم كان على يدهم تدمير مملكته الحجازية سنة 1925.

والعلاقات بين الشريف وامير نجد (عبد العزيز بن سعود) لم تكن تدعو ايضا الى الاطمئنان منذ البداية، وصاحبتها الشكوك وضعف الثقة، تطورت بفضل طموح كلا الطرفين الى توترات فمواجهات عسكرية حتى الاخير.

اما المواقع التي كانت تجري عليها احداث هذا النوع فكانت الحدود المشتركة بينهما، والتي اتخذت وسيلة لترجمة واقع نزعاتهما، وكان اول احتكاك عسكري تم بين الطرفين عام 1910، عندما حاول الحسين عهد شرافته بسط سيطرته على قبائل عتيبة القاطنة في الحدود المشتركة مع نجد.

ومع ذلك فإن هذه الخطوة لم تتمخض عن صدام عسكري، وانما تمكن الطرفان من تسويتها صلحا، الا ان الريبة ظلت تغطي على جو العلاقات رغم ما لاح فيها من المشاعر الودية الوقتية في حينه.

وعندما قام الحسين بوجه الدولة العثمانية، لم يبد عبد العزيز ابن سعود موقفا واضحا، وتلقى النبأ بتحفظ زائد غير انه لم يخف قلقه من مطامع الشريف حسين التي قد تصطدم بمصالحه وخشيته ان تكون هذه الاوضاع عاملا مساعدا لقوة الحسين وإمكانياته.

أما الحكومة البريطانية التي تبنت دعم الاخير حملت برسي كوكس مسؤولية دور المعزي لصديقه النجدي في محنته.

غير أن تأكيدات كوكس لم تخفف من غضب عبد العزيز بن سعود، وأعرب عن امتعاضه في رسالة بعثها للأول في 20 تموز 1916، استفسر فيها عما إذا كان الحسين قد حصل على تعهد بريطاني بالموافقة على سيادته على العرب، وخشيته من مردودات ذلك على نجد أرض آبائه وأجداده.

واقترح تقليص المساعدات المرسلة للحسين في هدف إطالة أمد الحرب مع الاتراك بما في ذلك تحقيق الاهداف العسكرية التي تبغيها بريطانيا.

هذا في الوقت الذي لم يحجم فيه عبد العزيز ابن سعود من إبداء احترامه وتقديره للحسين في رسائله للاخير  بينما راح الحسين ـ ومراعاة للظرف الذي كان يحيطه ـ محاولا احلال الهدوء في نفس ابن سعود واخذ يبعث بالاموال منذ شهر آب 1916 ويرفقها برسائل ودية، في هدف صرف اهتمامه للقتال ضد القوات العثمانية.

بيد أن عبد العزيز ابن سعود، ولريبته بأمر الأموال التي اخذت تتوالى عليه، حاول التأكد من حقيقة الامر، بعد تشاوره مع وجهاء نجد وسادتها وبعث في آب 1916 برسالة للحسين اكد فيها وقوفه الى جانبه في القتال واستعداده لارسال اخيه للاسهام في ذلك، غير انه يود ـ وتجنبا للمشاكل ـ تحديد الحدود بين الجانبين  الامر الذي اغاض الحسين كما يتضح من خلال رده على عبد العزيز بن سعود واتهمامه له بالجنون او الثمالة، وطالبه بنزع الشكوك عن نفسه وبأنهم" شركاء في كل شيء الا ما حرمه الله".

لم تكن الامور الاخيرة بطبيعة الحال خافية على الحكومة البريطانية، فسعت ولمصلحتها معالجة الموقف الجديد بين الحاكمين، وقد ابلغ كوكس ـ كبير ممثلي حكومة الهند في الخليج العربي ـ عبد العزيز ابن سعود في 8 أيلول 1916 بأنه "ما من تفاهم يجري بيننا وبين الشريف في الوقت الحاضر والمستقبل سيؤثر على تمسكنا بنصوص المادتين الاولى والثانية من معاهدة العقير" وكان كوكس قد تسلم تأكيدات الحكومة البريطانية بشأن سياستها الحاضرة واوعزت بتوضيح الصورة المقنعة لهذه السياسة امام العرب" وأنه لما كانت سياسة تشجيع العرب على إنشاء دولة عربية او اتحاد كونفدرالي بين الدول العربية، سياسة حية لم تمت وجب تجنب أي شيء من شأنه ان يؤدي الى نبذ هذه السياسة".

على اية حال فإن امتعاض عبد العزيز ابن سعود من اهانة الحسين الأخيرة ، وبغض النظر عما كانت تعنيه من الاصرار النابع عن القوة، فضلا عن الشكوك والضغائن القديمة، ما يبرر على ما يبدو الاتصلات التي تمت بين سلطان نجد والاتراك خلال الشهور الاولى من الثورة في هدف عرقلة الحسين واحباط جهوده، فقد اتصل عبد العزيز ابن سعود بالشريف على حيدر ـ الذي اختارته الدولة شريف بدلا من الحسين بعد وصوله المدينة في تموز 1916 وأبدى استعداده لدعمه والتعاون لضرب الشريف حسين.

وجاء في رسالته التي بعث بها الى حيدر في حوالي آب "ان عائلة الحسين لم تقدم بثورتها هذه سوى الفساد والضرر... انه يطمع في الاستقلال بأي طريقة كانت ولهذا انغمس بكل انواع الخداع والحيل ضاربا سكان الجزيرة بعضهم ببعض خدمة لمآربه الخاصة فقط... واليوم انا مستعد للقيام بما ترغب به، على اننا بحاجة لكميات كافية من الامدادت الحربية... ان وضع الحسين ضعيف ويمكن دحره بسهولة اذا ماوصلت الامدادات والمعونات الكافية. انها اللحظة المناسبة لمباغتته".

وذهب عبد العزيز بن سعود الى الاتصال بفخري باشا قائد المدينة واعرب عن استعداده لمساعدته ضد الشريف لكن فخري باشا لم يستغل هذه الفرصة اعتقادا منه بحفاظ المدينة بمقاومتها واعتذر لابن سعود عن ذلك.

والذي يبدو انه حاول استدارك هفوته ووجه الدعوة الى عبد العزيز ابن سعود في 17 ايلول 1916 يقصد التعاون ضد الشريف واعداد الظرف المناسب لذلك، فلم يكن للسلطان موقف ثابت مع الحسين ويزداد استياء كلما ارتفع شأن الاخير واستجابت بريطانية لرغباته. والحقيقة ـ ولولا اعتراض بريطانيا ـ لما تقاعس من مهاجمة نده الحجازي دون الالتفات الى أي اعتبار آخر.

ولعل الحسين كان يدرك اهمية ابن سعود وولائه، اذا ما قامت الدولة العربية في المستقبل وهذا ما دفعه للتفكير باهتمام بالعلاقات القوية بين عبد العزيز بن سعود وموظفي حكومة الهند في العراق وامكانية ضغطها بهدف ضمان ولاء الاخير وقد بذل المسؤولون هناك بعض الجهود في هذا السبيل.

لقد ظل ابن سعود مرتابا ـ خاصة بعد تسلمه رسالة الحسين المؤرخة في أيلول 1916 ـ من نوايا الشريف وخشيته ان يكون في هذه الرسالة ما يفهم منه التبعية للحجاز  بعد ان اخذ حاكمه يلوح بفرض كلمته على العرب.

لم يتوان الحاكم النجدي من مفاتحة جيرانه الانكليز مجدد بما يدور في ذهنه وبعث بنسخة من رسالة الحسين سالفة الذكر، الى كوكس طالبا منه الاجتماع والتشاور حول ما يهم الطرفين  وردا على ذلك ما يبدو نشرت وزارة الخارجية البريطانية مذكرة بصدد هذه التوترات جاءت فيه" ان صيغة المادة الاولى من المعاهدة المعقودة مع عبد العزيز بن سعود تلزمنا فعلا بالتحكيم بشأن الخلافات الاقليمية البارزة بين عبد العزيز بن سعود والحسين وان تحكيمنا في نهاية الامر سيتخذ فرض عقوبة فعالة"، وراحت الحكومة من جهة اخرى وابلغت الحسين في 3 تشرين الثاني 1916 بالمعاهدة المعقودة بينهما وبين عبد العزيز بن سعود.

لقد كان كوكس ـ وهو من موظفي حكومة الهند ـ يدرك التناقض الموجود في السياسة البريطانية، واصطدام الوعود التي تغدقها للحسين بوعودها لابن سعود عاجلا او آجلا، وسيتهم الاخير او كلاهما بريطانيا بنقض الوعود، غير انه (كوكس) كان مضطرا ولمقتضيات الحرب، ان يتبع سياسة آنية يتجاوز فيها الحقائق من اجل الاهم  فقد كان اسوء ما تتصوره بريطانيا هذه الآونة هو احتمال تحول ابن سعود جانب العثمانيين واعاقة الحملة البريطانية في العراق. واحتماله ايضا مهاجمة الحسين وتثبيط مساعي لورنس وجهوده في الحملة المتجهة نحو سوريا.

ومن هنا ـ ومنعا لهذه الاحتمالات وللمكانة التي يحظى بها عند عبد العزيز ابن سعود ـ حاول كوكس طمأنة الاخير والتقليل من شأن تصوراته حول حجم المساعدات البريطانية للشريف ووعده بتسوية الامور سلميا بين الجانبين.

وتأكيده على المعاهدة المعقودة بينه وبين بريطانيا بما في ذلك استقلال نجد واعتراف الحسين بذلك، الامر الذي لن يعارضه الحسين لعدم موافقة بريطانيا له.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال