علاقة مملكة الحجاز بشرقي الأردن.. محاولة سلخ بريطانيا القضائين الحجازيين العقبة ومعان اللتين كانتا تابعتين للحجاز خلال العهد العثماني واصبحا قضائين تابعين للممكلة الحجازية بعد تأسيسها

لم يكن هناك ما يثير الانتباه في العلاقات الحجازية الاردنية منذ تأسيس الامارة عام 1921 سوى قضية واحدة ظهرت الى الوجود في عام 1924، وتلك هي مشكلة القضائين الحجازيين، العقبة، ومعان اللتين كانتا تابعتين للحجاز خلال العهد العثماني واصبحا قضائين تابعين للممكلة الحجازية بعد تأسيسها عام 1916 كما تقدم، وكانتا على ما يبدو لا ترتبطان ارتباطا مباشرا بالمركز حتى ايلول 1922، حين قررت الحكومة الحجازية ربط هاتين القائمقاميتين بكامل شؤونها الادارية بالعاصمة.

الا ان بريطانيا ولاهمية المنطقة الاستراتيجية  التي تتمتع بها، عمدت الى محاولة سلخ هذه المنطقة من حدود الحجاز وإلحاقها بإمارة شرق الأردن إسميا وتحت سيطرتها فعليا بحكم كونها الدولة المنتدبة على الامارة، وذلك عن طريق الاستعانة بالامير عبد الله الذي رشحته لإمارة شرقي الاردن في 1921، وقد فاتح الاخير والده اثناء زيارته عمان اوائل 1924 بهذا الشأن ووافق والده على ان يكون التنازل شخصيا وان يحكمها نيابة عن والده مع بقاء تبعيتها للحجاز وتم ترتيب ذلك في 18 آذار 1924.

وقد قرر ان تكون معان مركزا للولاية ـ ولاية معان ـ التي الحقت بها إداريا العقبة وتوابعها، تبوك ووادي موسى والشويك، وعهد بإدارتها الى القائد غالب باشا الشعلان من الاردن مع صلاحيات تامة في إدارة شؤونها المختلفة.

لقد ظلت العقبة ومعان تابعة للحجاز طيلة بقاء الحسين في حكم الحجاز ولم تتخل الحكومة الحجازية مع ما أدخل على المنطقة من التعديلات الادارية ـ عن استمرارها في ربط المنطقة ككل مباشرة بالعاصمة مكة  وكانت الحكومة قد ردت رسميا على ما تناقلته الاخبار عن إلحاق هاتين المدينتين بشرق الاردن واكدت تبعيتهما للمركز مباشرة "وتعيين غالب باشا لا تاثير له قطعيا على ذلك الاساس، وما هو الا موظف من موظفي الحكومة الهاشمية تابع للمركز بصورة رسمية".

إلا أن الحكومة البريطانية استأنفت مساعيها في إلحاق هذه المنطقة وسعت الى استغلال الوضع العصيب الذي كان يعانيه الملك علي اثناء الهجوم الوهابي الاخير ـ اثر انسحابه الى جدة بعد سقوط مكة، حتى اذا انتهت الحرب بين نجد والحجاز يفقد المنتصر حق المطالبة بها، لذا يجري المسؤولون الانكليز المباحثات بهذا الشأن مع علي رضا الركابي رئيس الوزراء الاردني.

ويؤكد الاخيرـ كما يتضح من برقية هربت صموئيل الى وزير المستعمرات في 18 تشرين الاول 1924 موافقته على ضم المنطقة المعنية بما في ذلك تبوك، مع التأكيد على اهمية العقبة لشرقي الاردن مستقبلا اذا ما اريد ان يكون لها ميناء على الخليج.

اما بالنسبة للأمير عبد الله فكان يتردد في التفاوض مع اخيه الملك على خوفا من انتقاده بأنه يسعى الى ضم ارض عربية مستقلة لكي توضع تحت الانتداب البريطاني.

ولم يكتف الانكليز بحث المسؤولين العرب في الاردن بصدد العقبة ومعان، وانما اصدروا التعليمات الى المعتمد البريطاني في جدة للضغط على الملك علي الى اقصى حد ممكن  بينما اوضحوا ضمن مناوراتهم في برقية ثانية للمعتمد بتاريخ 20 من نفس الشهر، استعدادها ضد أي هجوم على المنطقة اذا لم تسبقه استفزازات، ودعوتها الى النتسيق مع الملك علي من اجل اعادة المنطقة في الحال الى شرقي الاردن ومساعداتها لتفاهم الاخوين بهذا الشأن، في الوقت الذي تتعهد باتخاذ الاجراءات الرادعة ضد أي هجوم نجدي ضد شرقي الاردن لكونه تحت وصايتها، بيد ان هذه الالتزامات يمكن تنفيذها والقضية في قيد البحث.

بررت الحكومة البريطانية ـ وتمهيدا لالحاق المنطقة بنفوذها ـ محاولاتها الاخيرة بحجة الدفاع عن المنطقة ضد الهجمات الوهابية المتوقعة، وانها ابلغت ابن سعود باعتبار المنطقة تابعة لشرقي الاردن مع ما يقتضيها ذلك من تحمل مسؤولية الدفاع عنها بحكم انتدابها على شرقي الاردن.

هذا في وقت تتخذ فيه ـ وباستشارة الامير عبد الله ـ التدابير المستعجلة لتوطيد السلطة الاردنية في منطقتي العقبة ومعان بصورة محكمة، بينما يوشك الاخوان عبد الله وعلي على عقد اتفاقية بينهما بشأن المنطقة تم التوقيع عليها في جدة يوم 5 حزيران 1925.

كان الملك علي يدرك بأن الدعوة لضم العقبة ومعان، كانت بريطانية وليست اردنية، وعرض شكواه لاخيه الملك لنوايا الانكليز في فصل قضائين حجازيين لم يفترقا عن الحجاز يوما واحدا على حد تعبيره واوضح، اذ كان الحياد ما طلبه اللورد كتشنر من والده خلال الحرب للحفاظ على حدود الحجاز، فإن الاخير لم يلتزم بذلك وانما قاتل الى جانب الحلفاء ضد العثمانيين، فضلا عما قدمه العرب من الضحايا في سبيل احتلال هاتين المدينتين بالذات، ولهذه الاعتبارات فإنه يرى في فصله عن بلاده اجحافا بحقوق الحجاز القديمة، وخطرا عاجلا يهدد سلامة المدينة المنورة، وهو يطالب فيصل بالتوسط لدى الانكليز لاعادة النظر في هذه القضية الخطيرة.

اكد دوبس المندوب السامي البريطاني في بغداد ـ ردا على رسالة الملك علي التي رفعها له الملك فيصل ـ اكد حجة حكومته السابقة ان المدينتين عاجزتان عن صد الهجمات الوهابية دون حماية بريطانية لها، وهي مسؤولية ستتحملها ضمن مسؤوليتها في الدفاع عن حدود الاردن رغم الموقف الحيادي الذي تلتزم به من النزاع النجدي وابدى عدم ترجيحه لطرح هذه القضية في مثل هذه الظروف، كما نصح بأن تكون اتصالات الملك علي بالحكومة البريطانية عن طريق المعتمد البريطاني في جدة لقربه منه، وإطلاعه عن كثب بتطور الاوضاع في الحجاز.

والحقيقة ان الملك فيصل لم يبخل في التنوية الى حقيقة الموقف البريطاني الذي وصفه دوبس بالحيادي فمع إقرار ما ادعته بريطانية في الدفاع عن العقبة ومعان الا انه اشار لدوبس الى بعض الاعتبارات التي (يمكن ان تكون في الظروف الراهنة اكثر جدارة باهتمام حكومة جلالة الملك ولا سيما اذا كان لها علاقة كبرى لتطبيق الخطة الحيادية التي اعلنتها إزاء الطرفين الحجاز ونجد).

ففضلا عن كون فصل المنطقة عن الحجاز امرا يناقض التزامات بريطانيا السابق في الحفاظ على حدود الحجاز ـ مع كون المنطقة المعينة حجازية بلا خوف ـ فإنه سيقود الى إحراج موقف مدينة جدة وقطع المواصلات مع المدينة المنورة اهم المدن في نظر الحكومة الحجازية "فإذا كانت بطلبها الجديد هذا وبتضييقها على العقبة قد اوهنت من حيث لا تريد مركز الحكومة في جدة وقدمت بالوساطة مساعدة ثمينة لسلطات نجد" وهو يريد بذلك توجيه تهمة عدم الحياد التي وعدت بريطانيا انتهاجه، لكنه لا يقوى المجاهرة كليا ومع عدم اعتراف فيصل بفصل القضائين الحجازيين فقد اعرب عن امله في أن لا يكون هناك" ما يدعو الظن بأن حكومة جلالة الملك ترغب في مناصرة فريق دون الآخر".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال