موقف الحجاز من مشكلة الموصل.. احتجاج الحسين على مزاعم الاتراك في الموصل تكوين جيش غير نظامي من العشائر العربية لصد أي هجوم تركي

تفيد بعض المصادر شيئا عن دور الحسين في قضية الموصل خلال المفاوضات الجارية في (لوزان) بين بريطانية ـ نيابة عن العراق ـ والكماليين فيذكر ان الحسين تقدم بمذكرة رسمية الى مؤتمر لوزان في حوالي شباط 1923، احتج فيها على مزاعم الاتراك في الموصل، اذ ان الولاية ـ كما ذهب ـ ولكونها جزءا لايتجزأ من العراق، قضية لا تستدعي الاثبات، وعد مزاعم الكماليين فيها باطلة ولا اساس لها من الصحة، واعرب اخيرا عن تثمينه لجهود وزارة الخارجية البريطانية بهذا الشأن، واضاف الى هذه الجهود الى جانب جهوده وتأكيدات الحلفاء الاخرى للعرب سوف لن تسمح بإلحاق الضرر بمصالح العرب السياسية والاقتصادية.

غير ان التقارب الذي بدت علائمه بين الحجاز والكماليين في مؤتمر لوزان كما تقدم، دفع بالحسين الى شبه مناورة سياسة يبدو انه هدف من وراءها استثارة بريطانيا، واستعادة مكانته لديها، خصوصا وان علاقته بها كانت تمر بفترة خمول وجفوة، ومن هنا جاء إبلاغه لحكومة أنقرة بالموقف الحيادي الذي ستتخذه سياسته الخارجية في المستقبل او بكلمة اخرى صرف نظره عن علاقاته ببريطانيا.

ومن الطبيعي ان تستفسر بريطانيا عن الموقف الاخير كما جاء ذلك في رسالة السير هنري دوبس الى الملك فيصل، وعما اذا كان هذا الموقف خطوة للتخلي عن موقف التعاون مع بريطانيا، او ترك قضية الموصل بيد الحكومة البريطانية.

ولعل ما يزيد استفسار المسؤولين الانكليز وجاهة، شكوكهم التي اظهروها عن وجود نوع من الاتصال بين الحسين والكماليين وانه اخذ" يمضغ الطعم الذي لوح به عصمت باشا".

يعزر ذلك إجراؤه بسحب نجله (الامير زيد) عن الموصل وطلبه العودة الى الحجاز، والذي فسرته الحكومة البريطانية بانه تأكيد للتأويل الاول المدرج أعلاه (التخلي عن التعاون مع بريطانيا). ونبهت الى كونه خطأ عظيما، نصحوا الحسين بتجنبه او بعكسه تضطر بريطانيا الى اعادة النظر في علاقاتها مع العرب.

وجدير بالذكر ان الحسين ـ سيرا مع خطواته الاخيرة ـ عمد الى سحب نجله الامير زيد من الموصل الذي اوفد لتولي مهمة توحيد موقف السكان وتعاونهم ضد أي هجوم تركي على الموصل، وكان زيد قد اتخذ منها مركزا لنشاطه هذا، بما في ذلك تكوين جيش غير نظامي من العشائر العربية للغرض المذكور اعلاه، وامست لجهوده كما قيمها المسؤولون الانكليز الى جانب جهودهم طبعا في المفاوضات مع تركيا في لوزان ـ اثرها الفعال في صالح مصير الممكلة بأجمعها ، ولعل اهمية وجود زيد امرا سلبيا في اثره، اذ كان من الممكن ان يتوصل الى تفاهم مقنع مع الاطراف المختلفة في الولاية، واضافت انه، اعطى انطباعا عن قدرته في القيام باعمال ناجحة في ولاية الموصل.

وعلى اية حال وازاء موقف الحسين الاخير اعربت الحكومة البريطانية عن رغبتها في ان يكون التأويل الثاني (ترك مسؤولية مصير الموصل بيد بريطانيا) هو التأويل الصحيح وان تعتصم الحكومة العراقية بالصبر، لان احدى مواد المعاهدة المقترح عقدها في لوزان مع الاتراك تنص بإحالة القضية الى عصبة الامم، او مضاعفات جديدة اذا مارفض الاتراك ذلك  وبكلمة اخرى الاصطدام مع تركيا كحل للمشكلة.

ومع ما اراده الانكليز من تهويل الامر لفيصل بهذه الصورة بأنهم ابعدوا احتمال نشوب القتال على المدى البعيد. فضلا عن الجهود الناجحة التي يبذلها اللورد كورزن بشأن الموصل في مفاوضاته مع الاتراك تلك المفاوضات التي تقتضي ان تكون بريطانيا صاحبة الحكم لصعوبتها وملابساتها.

ان مواقف الحسين الاخيرة مع اهميتها النسبية التي حوسبت عليها من قبل بريطانيا، لا يمكن ان تكون اكثر من كونها تعبيرا عن يأسه بالثقة التي اودعها بالانكليز وتركهم له يتخبط في مشاكله في الداخل، او امام الرأي العام العربي او الاسلامي" فالروح بلغت الحلقوم ـ كما جاء في رده على الاستفسارات البريطانية بشان موقفه الاخير ـ بوقوع مصالح الجميع تحت الخطر المشهود فإذا كانت بريطانيا بعظمتها لايهمها ما في هذا من التأثير فهذا محق وسحق للعرب ومخالف للشعور والحيثيات المنتظرة في بريطانيا وآمال العرب في عظمتها".

اما عن قضية الموصل جوهر الحديث فقد اوضح الحسين في مذكراته تجرد الكماليين عن اية مطامع في البلاد العربية، كما ابلغ مندوبه في لوزان من قبل الاتراك، واعترافهم باستقلالهم ومن هنا فهو يقترح على المسؤولين الانكليز اسناده في استغلال هذه الفرصة ومواجهة الاتراك بسحب تهديداتهم عن الموصل على ضوء تصريحاتهم الاخيرة. وبذلك يمكن كسب القضية دون تحميل بريطانية عناء ذلك.

والملاحظ من إجابة الحسين انه (الاخير) كان يرغب في بحث قضية الموصل مع الاتراك بنفسه، بصفته مسؤولا رسميا على العرب، ولعل ما حفزه على ذلك ادعاء الكماليين في اعتبارهم له صاحب القضية والذي يتحمل مسؤوليتها كما أبلغوه بذلك على حد قوله، ليبلغه الى العرب.

وانه لا مبرر لان تحشر بريطانيا نفسها في القضية   يضاف الى ذلك ان الحسين كان لابد ان انتبه لاهمية ولاية الموصل من حيث ثروتها هذه الفترة، سواءا كانت له معرفة بذلك قديما.

او انه ابلغ بها عن طريق ناجي الاصيل ممثله في مؤتمر لوزان والذي لابد له وان ادرك ذلك خلال وجوده في المؤتمر واحتكاكه بالاوساط السياسية التي حضرته، ان لم يكن قد أبلغ بذلك من قبل اعضاء الوفد التركي الذي كانوا يسعون لاستدراج الحسين جانبهم واستغلال صوته في كسب قضية الموصل لهم، ولعل في القلق الذي اتضح من الاستفسار البريطاني سالف الذكر بشأن العلاقات الحجازية التركية ما يعزز هذا القول.

وعلى اية حال فإن الحسين لم يكن منتبها الى ما وراء هذه الادعاءات التي أبداها الكماليون، واهدافهم في الموصل، وسعيهم لاحباط النوايا البريطانية فيها. وراح معتبرا اعتراف الاتراك الاخير" انقلاب عظيم في سياستهم مع كل مفاوضاتنا لهم حتى هذه الساعة بالاقوال والاعمال وبذلك حملوني وإياكم (والكلام موجه للانكليز)، بهذه التبليغات، المسؤولية امام العالم عموما والاسلام خصوصا...".

واضاف ان الضرورة تقتضي معالجة قضية الموصل بنفسه خصوصا بعد الاخبار المتواترة عن عزم بريطانيا في الانسحاب الى البصرة كما هو متفق معه، على حد اعتقاده. وما يقتضيه ذلك من تحمل المسؤولية بنفسه درءا للمخاطر المترتبة على الحشود التركية قرب الموصل ومنعا لضربة اخرى قد توجه اليه من جديد كما تم في سوريا.

اما عن سحبه لنجله الامير زيد من الموصل، فقد برره الحسين برغبته ان لا يتعرض نجله للشتم والسب الذي تكيله بعض الصحف والاوساط العربية" بسبب سيرنا في امور نكون مسؤولين عن فشلها مع انه لا يقبل لنا رأي فيها.

هذه هي الحقيقة وانتظر جواب حكومة جلالة الملك قبل فوات الاوان لانه كما قلنا سابقا بلغت الروح الحلقوم".
وقد ظل الحسين كما يبدو مواكبا لقضية الموصل حتى بعد احالتها الى عصبة الامم في آب 1924.

اذ طالب الملك في مذكرة رسمية بعث بها الى سكرتارية عصبة الامم، بأحقية العرب بالموصل لكونها جزءا لا يتجزأ من البلاد العربية، وعدم امكانية فصلها عن هذه البلاد، كما اوضح عدم اعتراف حكومة الحجاز بأي قرار يصدره مجلس العصبة ما لم يكن منسجما مع هذه المبادئ.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال