معركة تربة وهزيمة القوات الحجازية أمام عبد العزيز بن سعود.. تمكن القوات الوهابية من تشتيت القوة الحجازية وتدمير معظمها

باشر الحسين وبعد الاقرار البريطاني الاخير بإعداد حملة جديدة ـ بقيادة صهره ووزير داخليته حينذاك عبد الله بن محمد يرافقه الشريف شاكر بن زيد ـ ضمنها العديد من قوات القبائل.

ولم يكتف الحسين بذلك بل وجه نجله الامير عبد الله بقواته من الطائف ـ بعد فتحه المدينة في كانون الثاني 1919ـ للالتحاق بالحملة الاولى التي امر بتوقفها لهذا الغرض، وللاجتماع به ايضا قبل الدخول في معركة فاصلة.

وفي الاجتماع الذي عقده الحسين بكل من نجله وصهره ومشايخ قواته في منطقة العشيرة، تم اقرار الخطة التي رسمها الحسين والقائمة على اخضاع القبائل الخارجة وبسط سيادته على ربوعها.

لم يكن عبد العزيز بن سعود بغافل عن التطورات الاخيرة، وسارع الى ابلاغ السلطات البريطانية في البحرين التي انذرت بدورها الحكومة البريطانية بخطورة الموقف على الحدود، الامر الذي دفع بالاخيرة ـ ورغم اقرار مبدأ تبعية الخرمة للحسين ـ الى تلافي الموقف واتصلت بمعتمدها في جدة ليبلغ الحسين رسالة حكومته التي ضمنتها النصح بالتريث عما عزم عليه والاقتراح بانسحابه الى الطائف حيث يوافيه عبد العزيز بن سعود للتفاهم على ما ينهي الخلاف.

غير ان الحسين لم يرتح لهذا الموقف وصمم على القتال، ورد "حسين روحي" سكرتير المعتمد البريطاني ـ الذي سلمه كتاب الحكومة خلال وجوده في العشيرة ـ، ردا صارما وعلى مسمع من الحاضرين "اذهب وقل لهم انه لاحق لهم بالتدخل في شؤوننا الداخلية فنحن احرار نفعل ما نريد".

كما لم يتمكن الامير عبد الله ـ الذي لم يكن راغبا في القتال ـ من اقناع والده في العدول عن الحرب او تأخير موعدها على الاقل.

وتجاهل الحسين التحذيرات البريطانية عن قوة الوهابيين وتعصبهم، والاندحارات السابقة التي حملوها قواته، بل اعتد بما حصل عليه مؤخرا من الاسلحة بعد فتح المدينة، وهدد نجله عبد الله بالتنازل عن الحكم حال مما نعته تنفيذ اوامره.

وجدير بالذكر ان الامير عبد الله كان قد راسل عبد العزيز بن سعود بعد فتحه المدينة وابلغه بسقوطها.

وإنصراف الدولة الى مشاكلها الداخلية وتأديب مثيري الفوضى قاصدا بذلك خالد واتباعه ولم يبخل ابن سعود بدوره بالتهنئة لاحتلال المدينة مهيبا اياه للتوسط في تسوية الخلاف مع والده.

وقد استجاب عبد الله الذي كان يقر ذلك ضمنيا، ووعده بذلك في رسالته الجوابية في آذار 1919 وطلب منه ايفاد من يمثله لبحث القضايا المتعلقة بينهما، بعد ان ابلغه برحيله الى مكة بيد ان الامير عبد الله وتحت ضغط والده في العشيرة كما تبين كان مضطرا للتوجه نحو الحدود حتى انتهى عند منطقة (البديع) بالقرب من الحدود متخذا منها مركزا لحركة قواته التي بدات من هناك باستمالة القبائل او تأديبها، فما تحركت القوات النجدية بقيادة (سلطان بن بجاد) باتجاه الحدود وانضمت لقوات (خالد بن لؤي) وتمركزت في منطقة تبعد 20 ميلا عن واحة تربة تسمى بـ (القرنين) استعدادا للقتال.

في حين تحرك عبد العزيز بن سعود من الرياض الى تربة لدعم اتباعه.
واتخذ منطقة (اللصة) القريبة من تربة ايضا مركزا له وظل على اتصال دائم بخالد بن لؤي.

اما بالنسبة للامير عبد الله فقد ترك منطقة البديع بناء على اوامر والده المشددة، وتقدم نحو تربة وتمكن من احتلالها، وبدأ من هناك بإرسال رسله الى شيوخ القبائل يدعوهم للانضمام تحت سيادة والده محذرا ومهددا إياهم عاقبة المقاومة، وباحتلال منطقة تربة لم يبق لابن سعود ما يخفيه وتبادل مع عبد الله رسائل شابها التهديد والتحذير متهما اياه بالكذب خلافا لما ادعاه في رسالته السابقة عن عزمه في العودة الى مكة.

واكد عبد العزيز بن سعود الدفاع عن اتباعه، دون ان يتجاهل إنهاء الامر صلحا على ان ينسحب عبد الله الى العشيرة ليتسنى له ارسال احد انجاله او اخوته للتفاوض بهذا الشأن، ولم يسع عبد الله سوى الاجابة بنفس اللهجة معتبرا ما قام به من احتلال بعض المناطق انما لتأديب قبائل تابعة للحجاز، ولا دخل لابن سعود بأمرها... وكرر ما أشار اليه ابن سعود في الدعوى الى الصلح شريطه انسحاب عبد العزيز بن سعود الى نجد، دون ان يلحق باتباع الاخير أي ضرر.

لم تكن هذه المراسلات بالامر المجدي وامسى السيف السلاح الوحيد لحل النزاع، وقد جاء على يد خالد بن لؤي الذي باغت معسكر عبد الله في تربة في ليلة 25، 26 مايس 1919 وتمكن بمن معه من القوات الوهابية من تشتيت القوة الحجازية وتدمير معظمها، وباعتراف المصادر الهاشمية نفسها، ولم يتمكن عبد الله من النجاة الا بصعوبة، ممتطيا فرسه باتجاه الطائف، اما عبد العزيز بن سعود فقد تلقى هذا الخبر وهو في طريقه الى موقع الحركة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال