كان الشعور العام في العراق ـ وبحكم موقع ملكية فيصل عى البلاد، فضلا عن الدعاية المضادة للوهابيين ـ يمتاز بالحساسية الشديدة، مما حفز لإثارة التوتر على الحدود.
وقد تفاقمت الحالة ـ على حد قول (توفيق السويدي) أحد رؤساء الوزارات العراقية ـ إلى الحد الذي بات معها الاصطدام بين الطرفين ممكنا.
لقد أعرب السكان عن احتجاجهم للأحداث الجارية في الحجاز في البرقيات التي رفعوها الى الملك فيصل احتجاجا ضد ما يسمى بالتجاوزات الوهابية، وأخذت بعض الجماعات في عدد من المدن العراقية تعقد الاجتماعات، تعبيرا عن موقفها هذا، فيما كانت تقابلها وزارة الداخلية ومتصرفي الألوية بالحيطة والحذر، لارتيابهم بالأهداف التي تكمن وراء هذه الاجتماعات، واحتمال إثارتها للاضطرابات الداخلية، غير انهم لم يغفلوا العامل الآخر الذي كان وراء هذه الاحتجاجات، والمتمثل بتعرض الأماكن الدينية للرصاص بسبب عزم الوهابيين على انتزاع الحجاز.
ولما كان اهتمام الحكومة منصبا على العامل الأول، فكان لزاما عليها التحقيق في الأمر، لذا اصدرت الحكومة اوامرها من نشاطات مثيري هذه الفتن والاضطرابات.
غير ان هذه المحاذير التي اتخذتها وزارة الداخلية للمستقبل كانت مجرد إجراءات أمنية اعتيادية.
ولم تكن المخاوف التي أبداها المسؤولون في حينها بتلك الدرجة من التصور.
إذ كانت هذه النشاطات منصبة على التعبير الاحتجاجي فقط. وقد اقتصر المجتمعون من رجال الدين على إلقاء الخطب المعادية للوهابيين.
وتليت البرقيات الاحتجاجية التي بعث بها الشيخ احمد كاشف الغطاء الى ملوك المسلمين وشخصياتهم، كالملك فؤاد ملك مصر ومفتي الديار المصرية وشيخ الجامع الأزهر، وجمعية الخلافة الاسلامية كذلك الملك علي وملك افغانستان، ورئيس مجلس النواب العراقي.
ومع اقتصار هذا النشاط على الاحتجاجات ـ التي لا بد وان يكون فيصل على علم بها ـ فإن السلطات الانتدابية في العراق لم تكن مرتاحة لاستمرارها وبخاصة الاتصالات التي يقوم بها رجال الدين مع بعض الملوك والشخصيات الاسلامية.
وقد اعرب بعض المسؤولين المعنيين بالموضوع عن عدم ارتياحهم لتصرفات العلماء الذين عمدوا الى "مخاطبة دويلات اسلامية جاعلين سلطتهم شبيهة بسلطة البابا في روما"، كما اعربوا عن عدم موافقتهم على الاجتماعات الدينية المتكررة لكونها قد تنطوي على أبعاد سياسية معادية للحكومة،" وليس من الموافق أن يقوم العلماء في أوقات مختلفة بإصدار أوامرهم بدعوة الناس الى الاجتماع وتعطيل الأسواق وغلق الحوانيت على مرأى من الحكومة وبدون إذن سابق منها ولا على الأقل بإخبارها قبل الاقدام على عقد تلك المظاهرات".
وطالبوا أخيرا بمنع هذه الاجتماعات الا بموافقة السلطات المحلية.
وظلت قضية الاتصالات بين رجال الدين والحجازيين، مثار الاهتمام وخاصة بعد وصول برقيات الاستغاثة التي كان يبعث بها الحجازيون.
وكان موقف الحكومة دقيقا، نظرا لما فيها من تأثير في تدهور علاقات الودية مع حكومة نجد صيانة لأموال رعاياها وارواحهم"، فضلا عن ذلك ـ فإن البرقيات المتبادلة بين الحجاز ورجال الدين لا تساعد على استتباب السكينة وتفسح المجال أمام نشاط الأخيرين الذين يطمحون لمثل هذه الفرص لتثبيت مكانتهم بين الناس.
ومن هنا "وصل الأمر ببعض المسؤولين الى اقتراح الأمر إلى مراكز البرق برفض مثل هذه البرقيات".
وقد ظلت السلطات الرسمية على موقفها السلبي من الاجتماعات التي تقام احتجاجا ضد الوهابيين لمحاذيرها السياسية، وتقترح بإيقافها الا بعد إذن حكومي.
وفي البصرة ظهرت علائم الاحتجاج القائم في الحجاز أيضا ولعل في برقيات الاستغاثة وطلب العون التي كانت تصلهم من الحجاز وبالذات من (المدينة المنورة) المحاصرة، ما حفزهم لذلك.
فقد أعرب سكان المدينة المنورة في إحدى برقياتهم المرسلة الى أعيان البصرة عن الضيق وضنك العيش الذي يعانون منه جراء الحصار" وإنا نكاد نموت جوعا وعطشا..." وفي الوقت الذي أبلغ فيه وزير الداخلية بالبرقية المذكورة، عمد أهالي البصرة إلى الاتصال بالمندوب السامي، مستنكرين في برقيتهم أعمال الوهابيين وما صاحبها تعرض للأماكن المقدسة.
فيما أهابوا به والحكومة البريطانية التدخل لانقاذ الحجاز من وضعه المحزن، إلا ان رد سكرتير المندوب السامي لم يتعد مشاعر الأسف والحزن" وان الحكومة البريطانية حزنت حزنا شديدا لما ورد من الأخبار حول ضرب المدينة بالقنابل لأنها أدركت ما أصاب رعاياها وحلفاءها المسلمين من الأسى من جراء ذلك، ومع ذلك فإنها لا تتمكن من ان تتدخل بالقوة في أراضي الحجاز المقدسة في نزاع بين المسلمين.
ولقد كانت قد تصدت للتوسط في القضية ولكن فخامته، (أي المندوب السامي) يأسف لرفض ما أقدمت عليه".
وبالنسبة لمدينة بغداد، فقد عقد عدد من الوجوه فيها اجتماعا دينيا للتعبير عن احتجاجهم لأعمال الوهابيين في الحجاز وذلك في أيلول 1925، بعد ان رخصوا بذلك من متصرف اللواء، على ان لا يتعدى هدف الاجتماع الإحتجاجات وان يتحمل المسؤولون عن عقدة مسؤولية ما هو خارج على القانون والغاية المنوه عنها.
وقد تم الاجتماع في موعده دون إثارة اية متاعب، واقتصر الخطب وبرقيات الاحتجاج والاستنكار...".
التسميات
نهاية الحجاز