تنازل الحسين عن الحكم لنجله الأمير علي.. ملك الحجاز مقيد بالدستور مع النزول على رأي المسلمين واهل الحجاز في تحقيق آمالهم ورغائبهم في إصلاح شؤون البلاد

ارتأى أعيان جدة بعد التشاور مع اعيان مكة تأليف لجنة مشتركة لمطالبة الحسين بالتنازل عن العرش لنجله علي، في هدف ايقاف القتال ، واكدوا على الامير ـ لدى اجتماعهم به في جدة ـ قبول منصب والده، ولم يوقفهم اعتذاره عن ذلك، وواصلوا خطوتهم هذه وابرقوا للحسين بمكة في 3 تشرين الاول 1924 يبلغوه بإجماع الامة على تنازله لنجله علي، بعد فناء الجيش وانتشار الفوضى في البلاد.

 وذهبت البرقية واوضحت صلاحيات الملك الجديد، حيث سيكون "ملكا على الحجاز فقط مقيدا بالدستور على شريطه ان ينزل على رأي المسلمين واهل الحجاز في تحقيق آمالهم ورغائبهم في إصلاح شؤون البلاد المادية والمعنوية".

واقترحت هذه الجماعة في برقيتها تشكيل مجلسين احدهما نيابي وطني لادارة الامور الداخلية والخارجية والآخر شوري يتكون من اعضاء منتخبين من المسلمين على اختلاف بلادهم، ومهمته الارشاد وتقديم العون لاصلاح شؤون البلاد المختلفة.

ومع استجابة الحسين لهذه الدعوة فإنه رفض موافقتهم تنصيب نجله من بعده، الامر الذي دفع بهذه الجماعة الى تجديد دعوتها، لانقاذ الموقف الحرج، وحملوه مسؤولية الارواح التي ستزهق جراء القتال، اذا ما اصر على موقفه  فأجاب الحسين مشترطا لموافقته، قبول الامير علي نفسه بهذا العرض، ليمكن تنصيبه محله، ورفض مجددا دعوة مماثلة وبنفس المضمون، ولكنه عاد وأبرق لهم في 4 تشرين الاول 1924، يطلب ارسال من يختارونه لاشغال منصبه والإسراع في ذلك  فشكرته هيأة الاعيان، ورجته بمحاربة لتهدئة الوضع.

نودي بالامير علي ملكا على الحجاز فقط وجرت له البيعة في نفس اليوم (4 تشرين الاول 1924) على ان يخضع للشروط الدستورية المنوه عنها قبل حين والمتمثلة في خضوعه لارادة الامة والتقيد بالدستور، وأن يشكل في البلاد مجلسا نيابيا ينتخب اعضاؤه من المدن الحجازية بموجب قانون اساسي يضعه مجلس تأسيسي لتولي ادارة البلاد بشؤونه الداخلية والخارجية، بواسطة وزارة دستورية مسؤولية امام المجلس ولحين تشكيل المجلس النيابي قرر احالة اعمال الحكومة الى هيأة يتم تشكيلها لمراقبة هذه الاعمال، بسبب ضيق الوقت الحالي، ولا يمكن اتخاذ اي اجراء دون تصديق الهيأة المذكورة.

لذا وبموجب الشروط الاخيرة كان على الملك على أن يخضع لنظام دستوري في الحكم وان تحصر سلطاته على الحجاز فقط، اضافة الى نقطة اخرى هي نتيجة طبيعية لهذه الشروط ونعني بها ترك مسالة الخلافة للعالم الاسلامي والتي كانت سببا لاكثر المتاعب التي لحقت بالحسين، ومن هنا فلم يكن من المعقول ان يتمسك علي بها.

وجدير بالذكر ان الحسين اعترض على شكل النظام الجديد في الحجاز واعرب عن احتجاجه ـ في كتاب بعثه في 14 تشرين الأول، الى نائب رئيس وزراء الحكومة الهاشمية ـ لحصر سيادة الحجاز في الحجاز نفسه، واحتجاجه على طبيعة الحكم الدستورية لتعارض الخطوة الاولى مع أهداف نهضته المتمثلة في استقلال البلاد العربية بحدودها المتفق عليها عام 1916، وتعارض الخطوة الثانية مع الأحكام الدينية التي جاء بها القرآن... "وعليه بلغو الهيئة الموقرة احتجاجي القطعي اولا على تحديد نفوذ الحجاز، وثانيا على ما فيه إبدال العمل بكتاب الله.
ولذا فإني احفظ حقوق اعتراضي وإنكاري بالمادة والمعني لكلما ذكر".

غير ان اعتراضات الحسين وحتى التغيير الذي اصاب نظام الحكم لم يغيّرا من حقيقة الموقف بشيء، أو أن يكون له أثره في ايقاف التقدم الوهابي كما كان يعتقده اعضاء لجنة الاعيان المشتركة، واستمر الوهابيون يتقدمون نحو مكة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال