دوافع هجرة اللبنانيين إلى إفريقيا.. الاضطهاد الدينى والسياسى الموجه ضد المسيحيين المارونيين من الحكم العثماني وتدني تكلفة السفر إلى إفريقيا

نادرا ما تخلو دراسة للهجرات العربية، موسعة كانت أم محدودة، من التطرق إلى الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، فالتعرض إلى عوامل الطرد من المنطقة العربية وعوامل الجذب فى مناطق المهجر يعد مبحثا أساسيا فى الأدبيات ذات الصلة.

وغالبا ما يتم التمييز في هذا المبحث بين الأسباب والدوافع بحسب المراحل التاريخية المختلفة للهجرة، وكذا بين إلحاح بعض هذه الأسباب والدوافع على قطاعات معينة من المهاجرين، مقارنة بغيرها من القطاعات.

والحق، أنه لاتنفك أسباب هجرة اللبنانيين إلى إفريقيا عن الأسباب العامة للهجرة اللبنانية إلى مختلف جهات الأرض وإن اتسمت ببعض الملامح الخاصة.

وجدير بالبيان، أن الاسم المتعارف عليه للجماعات التي هاجرت إلى إفريقيا من منطقة الشام قبل 1920م - أي قبل فترة الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان - هو السوريون Syrains ويقصد بهم كافة الجماعات والأفراد المهاجرين إلى إفريقيا من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وفى أحيان أخرى أطلق عليهم الأتراك نسبة لتبعية بلدانهم للدولة العثمانية، وهو الأمر الذى أوجد أزمة هوية للعديد، وسبب كثيرا من المتاعب للمهاجرين اللبنانيين إلى بعض المناطق خاصة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية. وكذلك إفريقيا.

وعن أسباب الهجرة الأولى وبالتحديد بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية فى سنة 1920م يرى بعض المؤرخين أن ظروف الاضطهاد الدينى والسياسى الموجه ضد المسيحيين المارونيين من الحكم العثمانى هي العامل الرئيسى فى هجرة اللبنانيين إلى قارات متعددة كأمريكا الشمالية والجنوبية ومنطقة غرب إفريقيا.

ويرى هذا الفريق أنه على إثر الصراع المسيحى - الإسلامي، والمسيحي - الدرزى والآثار السلبية التى نتجت عن ذلك فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، بدأت الهجرات اللبنانية إلى خارج القارة الآسيوية بصورة منتظمة ومكثفة.

ويرفض بعض المؤرخين المعاصرين نظرية الاضطهاد السياسي الديني هذه، ويعزي الهجرة خارج لبنان إلى عوامل اقتصادية، لأنه حسب منظوره أن المهاجرين الذين تركوا لبنان فى الفترة مابين 1860 – 1920م كانوا أساسا من الفلاحين الذين لا يملكون شيئا، أما عن مناطق الهجرة فإن بعض الدراسات تذكر أن أغلبية المهاجرين إلي إفريقيا كانوا من مسيحيي جنوب لبنان وذلك فى الفترة التى سبقت عام 1920م.

وتجدر الإشارة إلى أن هدف معظم المهاجرين اللبنانيين كان الهجرة إلى أميركا بفعل ماسمعوه عن نجاح بنى جلدتهم من اللبنانيين فى تحقيق ثروات ضخمة فى تلك البقاع من الأرض، لكن، ولأسباب مختلفة حط الكثير منهم الرحال فى إفريقيا.

ومن تلك الأسباب: أن بعض وكلاء السفر فى مرسيليا خدعوا اللبنانيين وأصعدوهم إلى سفن متجهة نحو غرب إفريقيا بدل أن تكون متجهة إلى أميركا.

والعامل الآخر، هو أن تكلفة السفر إلى إفريقيا كانت أدنى، الأمر الذى دفع بعض المهاجرين الذين لايملكون المال الكافى للسفر إلى أميركا، إلى التوجه نحو إفريقيا، خاصة وأن بعضهم كان يمضى فترة طويلة فى مرسيليا، فيضطر إلى استعمال مدخراته، ويصبح من المستحيل عليه أن يدفع تكلفة السفر إلى أميركا، وعندما كان يقال له إن تكلفة السفر باهظة إلى اميركا، كان يفضل السفر إلى غرب إفريقيا بدل العودة إلى لبنان.

وساعد على ذلك ما كان يرويه وكلاء السفر من قصص عن نجاحات الهاجرين إلى إفريقيا وما حققوه من ثروات، ولم تفتأ تلك الأخبار عن نجاح أوائل المهاجرين أن تواردت على الوطن، الأمر الذى حدى بآخرين، خاصة الذين ليست لهم معارف في أمريكا بالهجرة إلى إفريقيا الغربية، أكثر من ذلك أن وصل صدى النجاح الذى حققه أوائل اللبنانيين فى هذه المنطقة إلى ذويهم فى العالم الجديد ، فهاجر البعض منهم إلى إفريقيا.

ومن الأسباب الآخرى التى دفعت المهاجرين اللبنانيين للتحول نحو إفريقيا، التعقيدات التي طرأت عام 1860م على شروط الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من بلدان العالم، فكانت إجراءات الهجرة تتطلب وثائق خاصة بالسفر وشروطا صحية للمهاجرين شديدة التعقيد، وعندما كان وكلاء السفر فى مرسيليا يطلعون المهاجرين اللبنانيين على هذه الأمور كان بعضهم يفتش عن خيارات أخرى.

وكانت أفضل الخيارات هى السفر إلى إفريقيا حيث لم تكن هناك قيود تذكر، خصوصا مع سهولة الحصول على التأشيرة التى أصبحت تمنحها القنصلية الفرنسية فى بيروت.

والحق أنه إذا كان البعض يقتنع بذلك ويسافر إليها عن طيب خاطر، فإن البعض الآخر لم يكن يعلم أنه وصل إفريقيا الغربية وليس أمريكا إلا بعد وصول الباخرة إلى المستعمرات الفرنسية فى إفريقيا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال