مصير الملك حسين.. إنذار بريطانيا للحسين وتهديد عبد العزيز بن سعود بمهاجمة العقبة لاتخاذها من قبل الحسين والحكومة الحجازية قاعدة ضده

طلبت لجنة الاعيان المشتركة من الحسين ـ كما تقدم وبعد بيعتها لنجله علي بالمكلية ـ ترك البلاد لتهيئة الاوضاع، فترك الحسين مكة الى جدة ووصلها في 9 تشرين الأول 1924 ولم يمكث بها سوى ستة ايام، غادرها متجها الى العقبة المقر الذي ارتأى الاقامة فيه.

غير ان الحكومة البريطانية استكثرت على الحسين ـ كما يبدو ـ رغبته الاخيرة ومع تظاهر مسؤوليتها بالموافقة على اقامته في العقبة كما طلب، فإنها ابدت تململها من ذلك بحجة عدم تحملها مسؤولية سلامته الشخصية.

وأبدت نفس الموقف المغالط تجاه فكرة قدوم الحسين الى العراق. ففي الوقت الذي تظهر موافقتها لذلك، تنبه الملك فيصل الى "التلبكات الخطيرة التي يمكن حصولها من جراء اقامة جلالة الملك حسين في العراق واذا استقر رأيكم (والكلام موجه الى فيصل) استشارة وزرائكم في الامر فلا شك في انكم ستفحصون هذه الصعوبات بالمداولة معهم".

وما اكد الموقف البريطاني هذا، النشاط الذي اخذ يزاوله الحسين في العقبة لدعم نجله علي في جدة، ومساعيه ـ بالتعاون مع نجله عبد الله ـ التي اخذ يسخرها لحشد القوات والامدادات وارسالها الى جدة، الامر الذي دفع عبد العزيز بن سعود للتهديد بمهاجمة العقبة ومعان، لولا اقناع الحكومة له واستجابتها لطلبة في إبعاد الحسين عن العقبة، رغم كونها من املاك الحجاز حتى ذلك الحين.

وقد جاءت هذه الاستجابة بعد الاجتماع الذي تم اثناء حصار جدة بين عبد العزيز بن سعود وكاتب القنصل البريطاني (منشئ احسان الله) الذي نصحه بوقف قواته المتجهة الى العقبة، لتلبية رغبته عن طريق الحكومة البريطانية، علما ان هذه المحادثات كانت سرية.

ولما كان اخراج الحسين من العقبة امرا غير مشروع بحكم تبعية المنطقة للحجاز، كان على بريطانيا اللجوء الى اساليبها الملتوية لتجاوز هذه العقبة، فكان لها ما ارادت حينما ضمت المنطقة (العقبة ومعان) الى شرقي الاردن الواقعة تحت انتدابها كما تقدم.

وعندما اشرفت عملية اقتطاع العقبة ومعان على الانتهاء شرع المسؤولون الانكليز بتنفيذ خطتهم في إبعاد الحسن، فأوعزوا بادئ الامر (منتصف مايس 1925) الى نجله الامير عبد الله لاقناع والده بمغادرة العقبة حسما للنزاع، وبحجة الحفاظ على استقرار المنطقة، وقد حاول الامير عبد الله ذلك دون نتيجة  اضطرت بعدها وزارة خارجية بريطانيا لى انذار الحسين في 28 مايس بترك العقبة خلال ثلاثة اسابيع من تسلمه كتاب الانذار.

أشار الانذار البريطاني الى تهديد عبد العزيز بن سعود بمهاجمة العقبة لاتخاذها من قبل الحسين والحكومة الحجازية قاعدة ضده، ومسؤولية بريطانيا بهذه الخصوص، لوقوع المنطقة تحت مسؤوليها الانتدابية، رغم عدم تحديد الحدود نهائيا بين الحجاز وشرق الاردن بسبب الظرف الذي يجتازه الحجاز.

واضافت المذكرة ان هناك نقطة متخذة من قبل ملك بريطانيا لا يمكنه ان يتساهل عنها، ان يبقى او يسمح بصورة ما بدوام الحالة الحاضرة، ولذلك بدأت بإظهار سلطة حكومة الشرق العربي في الاماكن التي هي مسؤولة عنها امام جامعة الامم، وهي تضم معان والعقبة، وتدعوكم لمغادرة العقبة لكي لا تكونوا سببا لحصول مشاكل جديدة بينها وبين سلطان نجد.

ولهذه المناسبة نصر بإلحاح بوجوب مغادرتكم العقبة، معلنة انه لا يمكنها ان تسمح لكم بالبقاء اكثر من ثلاثة اسابيع.

احتج الحسين على الانذار البريطاني في كتاب مطول الى رئيس وزراء بريطانيا، اشار فيه الى ثباته عند كلمته وولائه لبريطانيا اعتمادا على وعودها في حفظ حقوق العرب وتحقيق وحدتهم التي قدموا من اجلها التضحيات... وأوضح ان تنازله عن الحكم انما جاء حقنا للدماء ولكي يثبت للعالم هدفه في سعادة مواطنيه وتحررهم، وهو لا يأل جهدا في الحفاظ على حقوق العرب والتمسك بالمعاهدة، التي يأمل بتنفيذها من الجانب البريطاني، ومع ابتعاده عن الحكم لتجنب ما يثير الشغب او سوء الفهم، فإنه لا يضمن وقف هياج العرب دفاعا عن حقوقهم، وما يترتب عليه من الاضرار بمصالح بريطانيا وغيرها.

ثم ابدى الحسين تحديه للانذار البريطاني ورفضه الخروج من العقبة، مهما اتخذت الحكومة البريطانية من اجراءات... "لأني آليت على نفسي بأن لا احجم عن مساعدة أبناء وطني وقومي وإني افتخر امامكم بكوني ما زلت ولم أزل اساعد الحكومة الحجازية بمالي الخاص الذي ادخرته لمستقبلي المجهول، لان من لا خير فيه لوطنه لا يرجى منه الخير لحلفائه واصدقائه، ولي الشرف ايضا بكوني ثبت على مبدأي واخصلت في عملي وقمت بواجباتي، فما علي من غيري (ويقصد بريطانيا) فيما اذا لم يف بوعده ولم يقم بإنجاز عهده ونفذ مطامعه بقوة مدرعاته وبرؤوس حرابه فهناك يكون الحكم لمن غلب...".

ومع حراجة الظرف الذي كان يجتازه الحسين، فإنه لم يتوان عن تأكيد مواقفه السابقة من سياسة الحلفاء "فإني لم اعترف بالانتداب على البلاد العربية من أساسه.

وما زلت احتج على الحكومة البريطانية التي جعلت فلسطين وطنا قوميا لليهود وشمالي سورية تحت الانتداب ومأوى للأرمن".

وذهب أبعد من ذلك وطالب بإلغاء الانتداب كشرط لخروجه من العقبة على ان تكون إقامته في البلاد العربية " والا فإني لا أبرح مهما كانت النتيجة ولو ادى الامر لهلاكي ومحو عائلتي من الوجود...".

واتهم الحسين بشكل غير مباشر بريطانيا في دعم عبد العزيز بن سعود وتقويته ضد بلاده. فهجومه الاخير على الحجاز ـ كما ذهب ـ اثار استغراب القبائل العربية، فمها منه بعجز ابن سعود عن ذلك.

وقبل انتهاء مدة الانذار وصلت الى العقبة بارجة بريطانية، للضغط على الحسين لترك العقبة، كما وصل الامير عبد الله هو الآخر لنفس الغرض .

فاضطر الحسين للموافقة على ترك العقبة، على ان يكون محل اقامته الذي تختاره بريطانيا، خارج تركية، او الهند او مصر او اوروبا.
غير ان الحكومة البريطانية عرضت عليه الاقامة في قبرص، واستعدادها لنقله مع عائلته الى هناك، على ان لا تتحمل مسؤولية امر سكنه في الجزيرة.

ولم توافق على طلب الحسين للإقامة في حيفا او يافا كما رفضت طلبه للإقامة في جدة او العراق  فاضطر حينها لتنفيذ الإرادة البريطانية حيث ترك العقبة في 18 حزيران 1925 على ظهر البارجة (دهلي).

وقد بعث الحسين بعد اقامته في قبرص بكتاب احتجاج الى المستر (بلدوين) رئيس وزراء بريطانيا. ضد ما اشاعته الصحف المصرية عن اقامته في قبرص واعتبارها اياه اسير حرب فيها   فطمأنة (بلدوين) مكذبا هذه الاخبار وأضاف ان حكومته لاتعامله سوى معاملة فرد اختار الاقامة في قبرص بناء على دعوتها، التي ارادت منها خدمة مصالح الحسين ومصالح العرب.

ولم يغفل (بلدوين) الاشارة الى النشاط العدائي الذي اتخذه الحسين في العقبة ضد عبد العزيز بن سعود كتبرير للإجراء البريطاني في إبعاده عن العقبة.

وبصدد الموقف البريطاني من الحرب الاخيرة، ادعى (بلدوين) تجنب حكومته التدخل في النزاع ما لم يحظ ذلك بموافقة طرفي النزاع، فمع استجابتها لطلب الملك علي بهذا الشأن إلا أنها تذرعت - كما ذهب - برفض عبد العزيز بن سعود لهذه الخطوة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال