تناقضات الحسين السياسية تمهد للاكتساح الوهابي للحجاز.. الاعتماد على انكلترا كليا في وضعه المادي والمعنوي وإعلان خلافته للمسلمين دون استشارتهم

إن سياسة الحسين منذ قيام مملكته حملت بين ثناياها جراثيم فنائها وهذا ما تمثل في سياستيه الداخلية والخارجية. اما بالنسبة للمجال الاول فتمثل في اتجاهاته المتناقضة بين الاقليمية والقومية والاسلامية.

إذ كانت دوافعه الرئيسة في الثورة على الاتراك اقليمية، أي انفراده بحكم الحجاز ثم اضطر دون وعي قومي ان يربط سطحيا بين امانيه الاقليمية وبين أمانيه القومية العربية حيث اعلن نفسه ملكا على العرب، غير انه اضطر للتراجع سريعا عن ذلك اللقب واكتفى بلقب ملك الحجاز.

ثم داعبته فكرة اخرى الا وهي الخلافة الاسلامية. فجلبت عليه سخط جهات اسلامية عربية وغير عربية، وفاقم من مواقفها السلبية تجاهه، وقد تجلت في ظرفه العصيب خلال الهجوم الوهابي الاخير على الحجاز.

يأتي عبد العزيز بن سعود في بداية الذين عارضوا خطوة الحسين الاخيرة، ولا غرابة في موقفه، بعد ان كان له سبق الاعتراض على ملكية الاخير، اما تعليل السلطان لموقفه هذا فمرده الى عدم اعتماد خطوة الحسين على التقاليد الدينية المتبعة، ولكونها تمّت دون استشارة المسلمين فضلا عن اعتقاده بعجز الحسين عن تحمل اعباء الخلافة.

واتخذت مصر هي الاخرى موقفا معارضا من خلافة الحسين، ودعت لعقد مؤتمر اسلامي يبحث مصير هذا المنصب.

وهي خطوة أراد بها علماء الازهر - كما يبدو التمهيد لتقليد الملك "فؤاد" هذا المنصب، كما تبين من ارجاءات وزارة - الاوقاف المصرية التي تمخضت عن هذا الموقف، بإحلالها اسم الاخير بدلا من الخليفة المخلوع في المساجد ايام صلاة الجمعة، وسواء أكانت الرغبة الاخيرة هدفا اساسيا او ثانويا فإن الموقف المصري كان مبدأيا في تعارض مع خلافة الحسين، وتخبط في الاقتراحات التي تؤكد تثبيته، كأن يقر الخليفة المخلوع محددا على خلافته بعد دعوته للاقامة في مكة، وبعد ان يتحمل المسلمون دعمه ماديا معنويا، او السعي المتفاهم مع الكماليين وإصلاح ما فسد...

والجهة الاخرى التي عارضت خلافة الحسين كانت (جمعية الخلافة الهندية)  وهي بموقفها انما تعكس بقاء الموقف السلبي الذي كان يكنه الهنود المسلمون تجاه الحسين، (اذ تمكن بنظرهم خائنا للدين، واحد المتمردين على الخليفة الشرعي وقد عكست الجماعة الاخيرة هذه المشاعر في ما نسقته من مواقفها من ابن سعود خلال هجومه الاخير على الحجاز كما سيتضح.

اما بالنسبة لموقف الحلفاء من خلافة الحسين فكان سلبيا هو الآخر. فلم تتوان السلطات الفرنسية في سورية من اتباع الاجراءات الكفيلة بإضعاف أي اثر لهذا المنصب في نفس مؤيديه، ومنعها لذكر اسم الحسين في المساجد او التعبير عن مبايعته.

فيما اتخذت بريطانيا موقف الحياد والصمت إزاء خلافة الحسين، لكونها كما اوضح مسؤولوها ـ قضية دينية تهم المسلمين، ولا مجال للتدخل فيها. وشددت اوامرها على موظفيها بالامتناع عن أي قول او عمل يمكن ان يشم منه الاعتراض بالمنصب الجديد.

لقد جاء الموقف البريطاني الاخير ضمن الموقف العام الذي اتخذته بريطانيا من النزاع الحجازي النجدي بعد فشل مؤتمر الكويت الذي انتهى في هذه الفترة تقريبا وهو امر يدل على الدقة في التخطيط الذي ارتاته بريطانيا، بقدر خطورته على الحسين ـ فحيادها يعني تخليها عن حماية الحجاز في وقت تفاقمت فيه مبررات الصدام مع نجد بعدما عكسه الحسين من السلبيات في مؤتمر الكويت، وبالتالي اعلانه الخلافة ولعل الامر يبدو اكثر منطقية حينما تصر بريطانيا على موقفها المسمى بالحيادي حتى اواخر أيام المملكة الحجازية وهي في نزعها الاخير.

وأخيرا لابد من الالتفات الى مواقف الهنود ومصر من خلافة الحسين، والتمعن في حقيقتهما. اذ غالى الهنود في تدخلهم بقضية الخلافة، وحشروا انفسهم بقضايا لا تمت اليهم كليا، كالنزاع الاخير بين الحجاز ونجد، مما يثير الريبة وكان الامر بدفع من بريطانيا نفسها أي (حكومة الهند)، خصوصاً وان عداء الاخيرة للحسين وعائلته كان معروفا من السابق، فضلا عن انسجامه مع موقف الهنود الذي كان مناهضا للحسين منذ قيامه بوجه السلطان العثماني.

ولا غرابة ايضا ان تدعم بريطانيا الموقف المصري من خلافة الحسين او ان تؤثر فيه، بحكم نفوذها القائم في البلاد على الرغم مما كان يحتفظ به المصريون من القناعة بموقفهم إزاء الخلافة.

كانت هذه سلبيات سياسة الحسين الداخلية وآثارها عليه، اما سياسته الخارجية فقد اعتمد على انكلترا اعتمادا كليا في وضعه المادي والمعنوي، فوقع في شباك الدسائس الاستعمارية خاصة بين انكلترا وفرنسا في معاهدة سايكس ـ بيكو، الى وعد بلفور ثم الانتداب.

بالاضافة الى التواء السياسة البريطانية تجاه البلاد العربية بين مدرستي الهند والقاهرة. وممالأة الاولى السياسة السعودية ضد الحسين. فهيأت سياسة الحسين المتعثرة داخليا وخارجيا الظروف المناسبة لتحقيق الحلم الوهابي في التوسع غربا حيث الحجاز وسواحله على البحر الاحمر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال