التنمية السياسية في الوطن العربي.. التخلص من التخلف والتبعية والوصول إلى الاستقلال الحقيقي الذي لم ينجز في كل الأقطار العربية

التنمية السياسية في الوطن العربي
Political development in the Arab world

عندما تطرح التنمية السياسية في الندوات وحلقات البحث التي تقيمها الجامعات ومراكز الأبحاث السياسية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تمتد أبصارهم إلى الوطن العربي استطلاعاً ودراسة وتحليلاً ثم تفسيراً.

وهم إذ يفعلون ذلك، إنما يفعلونه عن قصد ودراية استراتيجية لأنهم:‏

1- ينظرون بعين مستقبلية إلى سيرورة الحياة العربية ويرون في داخلها الاتجاهات الفكرية الداعية إلى حرية الوطن العربي وتخلصه من التبعية والسير نحو الوحدة العربية.‏

2- لأن الوطن العربي يشكل الآن وفي المستقبل بؤرة مصالحهم الاقتصادية، فهو مصدر المواد الأولية والثروات المعدنية الراهنة والمستقبلية.
وهو الطاقة البشرية المستهلكة لفائض إنتاجهم الغذائي، ومصانعهم على اختلاف سلعها، فالوطن العربي يمثل أنموذجاً للمستهلك الذي يأكل الأخضر واليابس، الذي تصدره له أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.‏

3- لأنه، أي الوطن العربي، يشكل الملجأ الأمين والحيوي للشركات الأورو – أمريكية العابرة للقارات.‏

4- لأن الرساميل العربية المفتوحة على أرقام خيالية في المستقبل القريب والبعيد بآلاف المليارات من الدولارات، ستودع وتستثمر في البنوك والقطاعات الزراعية والصناعية والسياحية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.‏

والمعروف وغير المخفي أن هذه الرساميل ستصب كثيراً من فوائدها لصالح المشروع الصهيوني سواء أشاء أصحابها أم لم يشاؤوا.‏

5- الوطن العربي، ورغم كل ما حققته ثورة المعلومات والاتصال من تجاوز للمسافات،  ومن تغلب على أهمية الموقع والمكانة الجغرافية، فإنه لا يزال يشكل الامتياز في موقعه ومكانته في تشكيل وتكوين وبناء القرية "العالمية" الذي ألف منطق الرغبة، عند بعض الكتاب العرب أن يستسيغ هذا المصطلح وأن يستجيب لـه، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار عملية التفكيك والهدم التي يقوم بها الحلف الأورو - أمريكي - صهيوني، للوطن العربي  الموقع والمكانة  لصالح المشروع الصهيوني القديم - الجديد لأن "الشرق الأوسط" بوصفه العملية القيصرية التي تجري الآن في أعقاب احتلال العراق.‏

ولكن عندما تطرح التنمية السياسية من قبل أبناء الأمة العربية.
أقصد أولئك الذين يدرسون في الجامعات العربية، ويقومون بأبحاثهم وندواتهم في مراكز البحوث العربية، أستثني عن قصد وروية مراكز الأبحاث التي تقيم ما هب ودب من الندوات الممولة من أعتى الجهات الأكاديمية والبحثية والمخابر الأورو- أمريكية - صهيونية -، فإن عيونهم تنظر إلى الوطن العربي تستطلعه تحت عناوين وأهداف مستقبلية منقادة وموجهة بالبحث عن الطريق إلى الوحدة العربية، وإلى التخلص من التخلف والتبعية والوصول إلى الاستقلال الحقيقي الذي لم ينجز في كل الأقطار العربية حتى هذه اللحظة.‏

ومن قاعدة مبدئية ومنهجية في آن معاً يتم التعامل مع التنمية بحثاً عن مواقع التخلف والتنمية، والقصور الفكري والأداء السياسي المحسوب على الاستبداد وإلى الظلم الاجتماعي الذي يشل قدرات وطاقات الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة في كل مواقعهم المحلية والوطنية والقومية حتى تنشغل في لقمة العيش، فتنصرف عن الإبداع، وخاصة الإبداع المقاوم للاحتلال الإمبريالي – الصهيوني القادم إلى الوطن العربي.

الإبداع الذي ينتجه الواقع العربي الاجتماعي - السياسي القاسي والصعب، والمخزون في الانفجارات المتوقعة هنا وهناك من أنحاء الوطن العربي.‏

وبالعين العربية المستقبلية يمضي الباحث والكاتب والمحلل المفسر لقضايا التنمية السياسية في الوطن العربي باتجاه مسائل أصبحت تشكل تحديات للمستقبل مثل: الديمقراطية داخل الأنساق العربية المحلية والوطنية والقومية، والتعامل القائم بين هذه الأنساق، داخل سياقه التاريخي، وتوزع السلطات، والمشاركة السياسية، والوحدة والتنافس بين الأجيال العربية على اختلاف مواقعهم وأدوارهم ثم المساواة بين الناس.‏

ويبحث هؤلاء بعد أن أرشدتهم عيونهم المستقبلية عن التعددية السياسية الحاضرة. الغائبة في الحياة العربية ويعملون فيها الفكر القومي بحثاً وتحليلاً ودراية.

ويجدون فيها كلمة " السر" فإذا ما تحققت مالكة شروطها وأسانيدها الفكرية والمنهجية،  فإن الوطن العربي سيضع الخطوة الأولى على طريق معركة المستقبل العربي بكل أبعادها الداخلية والخارجية.‏

وتفيد الأفكار السابقة أن التنمية السياسية هي جملة العمليات والإجراءات التي تستهدف تحديث النسق السياسي داخل البناء الاجتماعي.

وهي في هذه الحالة من المفاهيم الحديثة التي استنبطها علم الاجتماع السياسي والانثروبولوجيا السياسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. علماً أنها كإجراءات وأنشطة وعمليات سياسية، قديمة قدم نشاط الإنسان السياسي، وإن كانت موسومة دائماً وأبداً بظروف المرحلة ودرجة تطورها.

والمعروف للإنثروبولوجيا السياسية أن مفهوم التنمية السياسية دخل دائرة الاستعمال أو التوظيف الأكاديمي، إذا جاز هذا التعبير، وفي مراكز الأبحاث التطبيقية في الجامعات الأورو – أمريكية تدريجياً، وكانت وجهته هذه المرة الأمم والشعوب التي تشكل مجالاً حيوياً واستراتيجياً لدول وحكومات تلك الجامعات بحيث يتم توليفها سياسياً وليس تطويرها كما يزعمون بموجب مصالحهم.‏
أحدث أقدم

نموذج الاتصال