التنظيم القانوني للإكراه البدني في التشريع المغربي: آلية لتحصيل الديون أم انتهاك للحرية؟

الإكراه البدني في التشريع المغربي: بين الماضي والحاضر

مقدمة:

يُعدّ الإكراه البدني آلية قانونية تُستخدم لإجبار المدين على الوفاء بالتزاماته المالية، من خلال حبسه لفترة محددة.
ويُعدّ هذا الموضوع من أهمّ المواضيع في القانون المغربي، حيث أثارت مسألة الإكراه البدني نقاشًا واسعًا بين الفقه والقانونيين، خاصةً فيما يتعلق بمدى ملاءمته في ظلّ المبادئ القانونية الحديثة.

التعريف:

  • تعريف الفقه: يُعرف الإكراه البدني حسب بعض الفقهاء بأنه "نظام يقصد به حسب المحكوم عليه مدة معينة يحددها الحكم الصادر به طبق لمقتضيات القانون المنظم لهذا الإجراء القهري لإجباره على أداء ما التزم أو الزم به قضاء".
  • تعريف القانون: لم يُعرّف المشرع المغربي الإكراه البدني بشكل صريح في أيّ من النصوص القانونية، لكنه نظّم مسطرة تطبيقه في مختلف التشريعات، مثل ظهير 21/8/1935 المتعلق بسن نظام المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة و الأداءات المماثلة وغيرها التي يحصلها أعوان الخزينة، وقانون المسطرة الجنائية، والظهير رقم 305-60-1 الصادر بتاريخ 20/2/1961 بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية.

تاريخ الإكراه البدني:

  • العصور القديمة: يُعدّ الإكراه البدني من بقايا العهود القديمة، حيث كان المدين يلتزم في شخصه لا في ماله، ويحق لدائنه أن يحبسه إذا لم يف بالتزامه.
  • التشريعات الحديثة: تبنت التشريعات الوضعية الحديثة مبدأ تطبيق الإكراه البدني، لكن تراجعت جلها عنه رغم فعاليته لما له من مساس بحرية الشخص المدين، معتبرة أن ذلك يخالف المبادئ المدنية الحديثة التي تقضي بأن المدين يلتزم في ماله لا في شخصه، وأن جزاء الإخلال بالالتزام هو تعويض لا عقوبة.

التشريع المغربي:

  • ظهير 21/8/1935: نظم المشرع المغربي لأول مرة مسطرة الإكراه البدني في ظهير 21/8/1935 المتعلق بسن نظام المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة و الأداءات المماثلة وغيرها التي يحصلها أعوان الخزينة.
  • قانون المسطرة الجنائية: ينصّ الفصل 675 من قانون المسطرة الجنائية على إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، ورد ما يلزم رده والتعويضات والتعويضات عن طريق الإكراه البدني.
  • الظهير رقم 305-60-1: يُعدّ الظهير رقم 305-60-1 الصادر بتاريخ 20/2/1961 بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية أهمّ نصّ قانوني ينظم مسطرة الإكراه البدني في المغرب.

نقاش حول ضرورة الإكراه البدني:

  • المؤيدون: يُؤيد بعض الفقه والممارسين القانونيين الإبقاء على نظام الإكراه البدني، معتبرين أنه يُعدّ وسيلة فعّالة لإجبار المدين على الوفاء بالتزاماته المالية، خاصةً في الحالات التي لا يكون فيها للدائن بديل آخر.
  • المعارضون: يُعارض بعض الفقه والممارسين القانونيين الإبقاء على نظام الإكراه البدني، معتبرين أنه يُمثّل مساسًا بحرية الشخص المدين، ويُخالف المبادئ القانونية الحديثة.

المستجدات في هذا الباب:

  • اتجاه نحو الحدّ من الإكراه البدني: يُلاحظ أنّ هناك اتجاهًا عامًا في التشريعات الحديثة نحو الحدّ من استخدام الإكراه البدني، واستبداله بوسائل أخرى مثل الحجز على أموال المدين.
  • المغرب: لم يُصدر المشرع المغربي أيّ نصوص قانونية جديدة تُلغي أو تُحدّ من نظام الإكراه البدني بشكل صريح، لكن هناك بعض المؤشرات التي تدلّ على اتجاهه نحو الحدّ من استخدامه، مثل:
  1. تقييد شروط تطبيقه: حدّد المشرع شروطًا صارمة لتطبيق الإكراه البدني، مثل ثبوت الدين بأحكام قضائية نهائية، وعدم قدرة المدين على الوفاء به.
  2. التوجه نحو بدائل أخرى: يُلاحظ أنّ المشرع المغربي يُتيح للدائن إمكانية اللجوء إلى بدائل أخرى لتحصيل دينه، مثل الحجز على أموال المدين، وبيعها بالمزاد العلني.
  3. الاجتهاد القضائي: يُميل الاجتهاد القضائي المغربي إلى تفسير أحكام الإكراه البدني بشكل ضيق، وتقليل حالات تطبيقه.

الخلاصة:

يُعدّ الإكراه البدني آلية قانونية مثيرة للجدل في التشريع المغربي، حيث يُوازن المشرع بين فعاليته في تحصيل الديون وحماية حرية المدين.
وتُشير بعض المؤشرات إلى أنّ المشرع المغربي يتجه نحو الحدّ من استخدام الإكراه البدني، واستبداله بوسائل أخرى أكثر حداثة وفاعلية.

التوصيات:

  • دراسة مقارنة: يُمكن إجراء دراسة مقارنة بين نظام الإكراه البدني في المغرب ونظمه في الدول الأخرى، وذلك بهدف الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية.
  • الحوار والنقاش: يُمكن فتح حوار ونقاش بين الفقه والممارسين القانونيين حول مدى ضرورة الإكراه البدني في ظلّ المبادئ القانونية الحديثة.
  • التعديلات التشريعية: يُمكن دراسة إمكانية تعديل النصوص القانونية المنظمة للإكراه البدني، وذلك بهدف تقييد شروط تطبيقه، وتوسيع نطاق بدائله.

خاتمة:

يُعدّ موضوع الإكراه البدني من أهمّ الموضوعات في القانون المغربي، حيث يُمسّ بحرية الأفراد وحقوقهم المالية.
وتتطلب معالجة هذا الموضوع دراسة معمّقة وجدية، ونقاشًا مفتوحًا بين مختلف الجهات المعنية، وذلك بهدف الوصول إلى حلول تضمن تحقيق العدالة والإنصاف للجميع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال