أسباب الصدام بين الجرمان والرومان.. الاستفادة من مظاهر الحضارة الرومانية وضغط قبائل الصقالبة والسلاف من جهة الشرق وتعرضهم لكوراث الطبيعة من جفاف ومجاعات وفيضانات

من بين الأسباب التي دعت الجرمان إلى التحرك إلى تخوم الامبراطورية الرومانية يذكر مرسي الشيخ: الرغبة في الاستفادة من مظاهر الحضارة الرومانية جرياً على قاعدة ابن خلدون الشهيرة: المغلوب مولع باتباع الغالب في مأكله ومشربه وسائر عاداته، وكذلك طمعاً في السيطرة على ثروات الأراضي الرومانية وخصبها، وكذلك التغيرات التي حدثت في المنطقة من حولهم وأسهمت في دفعهم إلى جوف الامبراطورية الرومانية وذلك منذ أواخر القرن الثاني الميلادي.

ومن بين هذه التغيرات جوانب اقتصادية تتمثل في ضيق سبل العيش في بلادهم نظراً لتزايد أعدادهم وفقر أراضيهم وكونها عبارة عن مساحات شاسعة من الغابات والمستنقعات.

هذا إضافة إلى تعرضهم لكوراث الطبيعة من جفاف ومجاعات وفيضانات وحرائق في الغابات وصواعق.

وهناك جانب آخر من هذه التغيرات له طابع عرقي ويتمثل فيما حدث من ضغط قبائل أخرى على الجرمان كالصقالبة والسلاف من جهة الشرق حملتهم على التحرك والزحف باتجاه مواطن أخرى عبر نهري الراين والدانوب ويتطلعون في حسد إلى الأراضي الخصبة والمدن العامرة على الضفة الأخرى للنهرين الكبيرين.

غير أن تحرك فريق من الجرمان الشرقيين وهم القوط وزحفهم إلى داخل الامبراطورية الرومانية كان نتيجة لتحرك شعب آسيوي آخر أشد ضرواة وأكثر وحشية وهم الهون.

حيث هزموا القوط الشرقيين وراحوا يدفعونهم وغيرهم من الجرمان إلى داخل الإمبراطورية الرومانية.

بدأت العلاقات بين الجرمان والإمبراطورية الرومانية بمرحلة من السلم والتعاون بين الجانبين استغرقت حوالي قرنين من الزمان أي إلى نهاية القرن الثاني الميلادي وبالتحديد نهاية عهد الاممبراطور ماركوس أورليوس سنة 180م.

ولكن الأمور أخذت في التبدل باتجاه العداوة ابتداء من أواخر القرن الثاني حين عاثت قبائل الجرمان فساداً في حوض نهر الدانوب وأخذت هجماتهم في هذه المرحلة طابع الهجمات المتفرقة والعمليات الحربية غير المنظمة وغير الشاملة.

وقد تنازلت الامبراطورية الرومانية للقوط عن إقليم داشيا بالبلقان وذلك لتأخير تغلغلهم في أراضيها.

وفي أواخر القرن الرابع الميلادي توجهت الامبراطورية الرومانية للإفادة من هذه العناصر المتحمسة الوافرة النشاط وعملت على استخدامهم كجند مرتزقة في الجيوش الرومانية.

وهكذا صار كثير من القادة العسكريين في الجيش الروماني تجري في عروقهم دماء جرمانية وخصوصا بعد أن صار التزاوج بين الجانبين أمراً مألوفا في القرنين الثالث والرابع الميلاديين.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال